“الكابيتال كونترول” بين ثلاث مسودّات تعيسة: انتصار المصارف

بعد أن هبطت على المجلس النيابي مسودّة حكوميّة جديدة لمشروع قانون الكابيتال كونترول خلال الأسبوع الماضي، بات أمام المجلس اليوم ثلاث مسودّات متباينة لمشروع القانون هذا: المسودّة الحكوميّة، مسودّة لجنة الإدارة والعدل، ومسودّة لجنة المال والموازنة.

المشترك بين المسودّات الثلاث، هو افتقارها لأبسط شروط الكابيتال كونترول، الذي يُفترض أن يمهّد لاستعادة انتظام القطاع المالي على المدى الطويل. فجميع المسودات المطروحة لا تتضمّن خريطة طريق لكيفيّة رفع القيود عن السحوبات والتحويلات بشكل متدرّج، بعد أن تعالج الخطّة الماليّة الأشمل فجوات الميزانيات المصرفيّة. كما لا تحتوي أي من المسودّات على رؤية لكيفيّة ربط القيود على حركة الأموال بعمليّة توحيد أسعار الصرف ومن ثم تعويم السعر الموحّد الجديد.

مع الإشارة إلى أن الهدف البديهي لأي كابيتال كونترول خلال الأزمات هو التدرّج في عمليّة الخروج من القيود المصرفيّة أولًا، ومن ثمّ التحكّم بشكل مدروس بعمليّة توحيد أسعار الصرف وتعويمها من خلال أدوات التحكّم بالسيولة التي ينص عليها القانون الجديد، وبالتوازي مع استعادة النظام المالي لقدرته على جذب التحويلات بالاستفادة من الضمانات والتدابير التنظيميّة التي سينص عليها القانون بخصوص الأموال الجديدة والقديمة.

باختصار، ما هو مطروح اليوم ليس سوى قانون تقتصر مفاعيله على إعطاء غطاء قانوني للمصارف، من دون أن يقدّم أي جديد على مستوى معالجة الأزمة المصرفيّة. أما التباينات بين المسودّات الثلاث المطروحة، فتشمل نوعيّة القيود المفروضة على الاحتياطي الإلزامي، وحجم الصلاحيّات التي يملكها مصرف لبنان في تحديد سقوف السحب، وصلاحيّات القضاء في ملاحقة المصارف، بالإضافة إلى سقوف التحويلات الاستثنائيّة بالعملة الأجنبيّة. بمعنى آخر، ومع اشتراك النسخ الثلاث في الإجحاف بحق المودع، تختلف النسخ في بعض التفاصيل التقنيّة المتعلّقة بالصلاحيات وسقف القيود المفروضة على المودع.

تتفق المسودّات الثلاث على إعطاء حاكم مصرف لبنان الصلاحيّة المطلقة لتحديد سقوف السحوبات النقديّة بالليرة اللبنانيّة والدولار الأميركي. وحدها نسخة لجنة المال والموازنة قررت وضع هامش معيّن للسحوبات، يتراوح بين 400 و800 دولار أميركي للسحوبات النقديّة بالعملة الأجنبيّة، و15 و20 مليون ليرة لبنانيّة للسحوبات النقديّة بالليرة. وبذلك، وحسب هذه المسودّة بالتحديد، سيكون على حاكم مصرف لبنان تحديد السقوف لكن ضمن هذا الهامش. وبهذا تكون هذه المسودّة الأقرب إلى ضمان حد أدنى من السحوبات الشهريّة بالعملتين للمودع بمعزل عن استنسابيّة الحاكم أو المصارف.

مع الإشارة إلى أن المسودات الثلاث لا تلحظ أي خروج تدريجي من فكرة القيود على السحوبات النقديّة، كما لا تقيّد حاكم مصرف لبنان بأي مرجعيّة في السلطة التنفيذيّة عند تحديد سقوف السحب النقدي بالعملتين. بمعنى آخر، سيستكمل الحاكم مسار تحديد هذه السقوف تمامًا كما يفعل اليوم من خلال التعاميم 151 و158، والتعاميم الوسيطة التي تحديد طريقة تطبيقهما.

تتفق المسودّات الثلاث على اعتماد منصّة صيرفة كمرجعيّة لتحديد سعر صرف السحوبات النقديّة بالليرة من الحسابات بالعملة الأجنبيّة. لكن المسودّات الثلاث لا تحدد أي ضمانات للمودع، من جهة كيفيّة تحديد سعر صرف المنصّة، خصوصًا في ظل الالتباس وانعدام الشفافيّة الذي يحيط اليوم بعمل هذه المنصّة، وسعر صرفها الذي يحدده حاكم مصرف لبنان بشكل استنسابي، ومن خارج توازنات العرض والطلب في السوق الفعليّة. مع العلم أن الخشية من طريقة تحديد سعر الصرف هذه تعود إلى التعنّت الواضح الذي يبديه حاكم مصرف لبنان، في وجه أي محاولة لرفع سعر الصرف المعتمد للسحوبات النقديّة بالليرة من الودائع المدولرة، وفقًا لمندرجات التعميم 151.

تتفق المسودات الثلاث على إعطاء الهيئة المصرفيّة العليا في مصرف لبنان صلاحيّة البت بأي مخالفة تقوم بها المصارف في إطار تنفيذها للقانون، مع العلم أن حاكم مصرف لبنان نفسه هو من يرأس هذه الهيئة، التي تغاضت طوال الفترة الماضية عن التدخّل إزاء جميع القرارات الجائرة التي اتخذتها المصارف بحق المودعين. كما تتفق المسودات الثلاث على إعطاء المصارف الغطاء القانوني اللازم لجميع عمليات حبس السيولة التي تقوم بها بحق المودعين، وهو ما يحمي المصارف من أي دعوى جديدة يمكن أن تُقام بحقها في المحاكم الأجنبيّة أو المحليّة.

لكنّ مسودّة الحكومة بالتحديد انطوت على بعض البنود الخطيرة، التي تبرّئ المصارف بشكل شامل من جميع الدعاوى المقامة أساسًا في المحاكم الأجنبيّة والمحليّة، ومن جميع الدعاوى التي صدر بها حكم أوّلي قابل للاستئناف.

حسب جميع المسودات، سيملك مصرف لبنان صلاحيّة تحديد سقوف التحويلات التي يمكن إجراؤها من الحسابات بالعملات الأجنبيّة للحاجات الملحّة (كالطبابة والتعليم وسداد القروض…). وحدها مسودة لجنة المال والموازنة قررت تقييد الحاكم بهامش معيّن عند تحديد هذا السقف، بما يتراوح بين 25 و50 ألف دولار أميركي للحساب الواحد، وهو ما يضمن حداً أدنى لهذا السقف. في المقابل، تركت مسودتي لجنة الإدارة والعدل والمسودّة الحكوميّة يدي الحاكم طليقتين في ما يخص تحديد السقف، ما يفتح الباب أمام تقليصه تدريجيًّا في مراحل لاحقة.