“الكابيتال كونترول” تحت سيطرة “المركزي”

من حيث الشكل لم يحمل مشروع القانون أي جديد، فما هو إلا تمديد لتوصيات المركزي التي جرى اتخاذها شفهياً مع جمعية المصارف سابقاً. إضافة إلى ذلك فان المشروع سبق الخطة الحكومية الشاملة، ولم يبنَ على أساس التطورات التي ستحملها المرحلة المقبلة خصوصا لجهة الإستعانة بصندوق النقد الدولي.

“المادة 7” تفرغ القانون

أما في المضمون، وهذا الأهم، فقد أتى القانون “ملبنناً” على الرغم من ان الإقتصاد “مدولر” بأكثر من 75 في المئة، فلم يجرِ التطرق الى تنظيم السحوبات بالعملات الأجنبية إلا في المادة السابعة، التي أعادت تحديد سقوف السحب بتعاميم دورية تصدر عن المصرف المركزي وبالتنسيق مع جمعية المصارف. وهو ما يشكل برأي رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني “سابقة خطيرة فرّغت القانون من مضمونه، لانها تسمح للمصارف بنقض المادة الاولى التي تقول بحرية التصرف بالاموال المتأتية من بعد 17 تشرين الاول”، وبالتالي كان الاحرى، حسب مارديني، بدء هذه المادة بعبارة “باستثناء الاموال الجديدة…”.

في حال اقرار القانون يكون مجلس الوزراء ومن بعده النواب قد تبرأوا من تنظيم المادة التي تهم ثلاثة أرباع المودعين والمقترضين، وتركوها “للإستنسابية والإعتباطية”، يقول المستشار المالي د.غسان شماس.

تركُ هذه المادة مبهمة يعني امراً من اثنين: إما استمرار التفاوت بين المصارف في تحديد سقوف السحب بالدولار، وإما ان يحدد مصرف لبنان شهرياً السقف المسموح بما يتناسب مع كل المصاف على قاعدة “الظلم بالسوية عدل في الرعية”.

“الطازجة” نقدية

القانون الذي خصص الأموال الجديدة fresh money بالعملتين الأجنبية والمحلية، سواء أتت من الخارج أو من الداخل، بمعاملة خاصة وبحرية التصرف بها بشكل مطلق ايداعاً، سحباً او تحويلاً، لم يوضح مصير الأموال المقبوضة عن طريق الدفع ببطاقات الإعتماد credit card وما اذا كاتت ستعتبر أموالاً جديدة أم لا. في الوقت الذي يعتبر فيه شماس “انه من المفروض ان تعامل الاموال المقبوضة من بطاقات الاعتماد كاموال طازجة، خصوصاً إذا كانت مسددة من قبل السياح والمغتربين”، يرى أحد المتخصصين في التجارة عبر الانترنيت “on line”، ان عدم اعتبار الدفع بالبطاقات كأموال جديدة سيدفع الى إقفال آلاف المشاريع والمصالح، وكذلك سيعطل عمل الفنادق وشركات تأجير السيارات وغيرها الكثير من الخدمات التي تعتمد على الحجز والدفع عبر الانترنيت.

عدم التطرق بشكل كاف وعادل الى كيفية معالجة التعامل بالعملة الاجنبية يلغي المفاعيل المفيدة عن مشروع قانون “تقييد السحوبات”.

اللاعدالة

في الفترة الماضية سمعنا كثيراً عن حجم التفاوت في الحسابات المصرفية، حيث يوجد في 6000 حساب مصرفي أكثر من 80 مليار دولار، فيما لا تشكل ودائع صغار المودعين أكثر من 7 في المائة من قيمة الودائع في المصارف. “ان كان من عدل في القوانين، كما يقال، فيجب تحرير الودائع الصغيرة والرواتب المحوّلة بالدولار فوراً وعدم اخضاعها لاي قيد أو شرط”، يقول كريم العامل في شركة أجنبية في بيروت.

مثله مثل آلاف العاملين في القطاع الخاص يعاني كريم المعيل الوحيد في عائلته، من عجزه عن الاستحصال على أكثر من مئة دولار شهرياً من راتبه البالغ 1200 دولار والموطن في مصرف يعتبر من الأكبر ويندرج في خانة Alfa Bank. ولكي “يعيش” يضطر كريم الى سحب 1100 دولار بالليرة اللبنانية على السعر الرسمي المحدد بـ 1500 فيما كل الاسعار أصبحت تحدد على أساس سعر صرف يفوق الـ 2600 ليرة للدولار. مما يعني خسارته أكثر من 40 في المئة من قدرته الشرائية.

العدالة في التوزيع لم تأخذ بالاعتبار في قانون “تقييد السحوبات”، فبقي من جنى الملايين من الفوائد الريعية في نفس الخانة مع من ادخر او يتقاضى بضع مئات من الدولارات ليعتاش منها شهرياً.

“نية” المصارف

تماشياً مع المثل الشعبي “رضينا بالهم لكن الهم لم يرضَ فينا” ولد قانون تقييد السحوبات، بكثير من اللاعدالة واللامنطق، تاركاً الكثير من النقاط عالقة لتحل على “نية” المصارف وتفاهماتها القضائية التي ثبت انها غير “حسنة” خلال الفترة الماضية، ولم توصل أي ذي حق الى حقه مهما فعل. ومن هذه النقاط: “لمن الاحتكام في حال نشوب صراع؟ ومن هي المرجعية التي ستحكم في حال خالفت المصارف القانون لجهة عدم الالتزام بدفع الاموال الطازجة بشكل كامل او اقتطعت منها؟”، يسأل شماس. “فهل هو مصرف لبنان ام لجنة الرقابة على المصارف ام القضاء أم من؟”، لا أحد يعلم. في المقابل يرى المحامي المتخصص في القانون المصرفي والمالي عماد الخازن ان النسخة الاخيرة من قانون الكابيتال كونترول كانت “افضل الممكن”. “خصوصاً لجهة عدم ايقاف السحب بالدولار نهائياً كما كنا نتوقع”. وبرأيه ان “عدم تقييد السحوبات بالعملة الاجنبية سيؤدي الى هجمة كل المودعين على سحب ودائعهم من المصارف”.

اللاثقة تبتلع الايجابيات

النقطة الايجابية الاخرى في القانون ستكون معاملة الاموال التي ستدخل حديثاً الى المصارف كانها آتية من الخارج، أي طازجة. وهو ما سيشجع على دخول الاموال التي خرجت وقدرت بحدود 5 مليار دولار الى النظام المصرفي والمساهة باعادة تنشيط الدورة الاقتصادية. لكنها من الجهة الاخرى تفرض تحديات تتعلق بمكافحة تبييض الاموال التزام لبنان المعايير والاتفاقيات الدولية.

مع هذا كله يعتبر مارديني ان ” فصل هذا المشروع بين الاموال “الحرة” الآتية بعد 17 تشرين الثاني وتلك القديمة “المقيدة”، غير كاف لاستعادة الثقة بالبلد والقطاع المصرفي وعودة التحويلات، “لان القانون لم يترافق مع برنامج معين يضمن فك الحجز عن الاموال القديمة التي تعود للفترة قبل 17 تشرين الثاني، كما انه لم يتضمن أي شيء يكفل عدم عودة المصارف الى تقييد الاموال الجديدة كلياً او نسبياً كما فعلوا في المرة الماضية، بتخط واضح للدستور اللبناني ولقانون النقد والتسليف. الامر الذي سيدفع الى استمرار انعدام الثقة وعدم دخول أي أموال جدية الى النظام المصرفي من الخارج او الداخل. أما الجواب على سؤال ما الهدف من التشريع اذا كان لن يصب في مصلحة المودعين؟ فهو “حماية المصارف وتوفير الغطاء القانوني لإجراءاتها الاستنسابية”.

مصدرخالد أبو شقرا - نداء الوطن
المادة السابقةإرجاء مناقصة المرفأ: هل الادعاء على قريطم هو السبب؟
المقالة القادمةوزارة المالية دعت  للتصريح عن إيرادات رؤوس الأموال المنقولة الأجنبية الكترونياً