ضجت مواقع التواصل في لبنان الأحد بشريط فيديو يظهر استخدام الحمير كوسيلة لنقل الطلاب، بسبب ارتفاع كلفة المواصلات، في مشهد يعكس حجم تردي الأوضاع المعيشية.
ووصف نشطاء المشهد بأنه يعكس الواقع الذي وصل إليه اللبنانيون في ظل الانهيار الاقتصادي والمعيشي، فيما حمّلوا السياسيين في البلاد مسؤولية بعض هذه التطورات. وأظهر الفيديو رجليْن يمتطيان حمارين في منطقة البقاع (شرق) وبرفقتهما 5 أطفال في طريقهم إلى المدرسة، قبل أن يستوقفهما أحد الأشخاص ويسألهما عن ظروفهما.
ولم يذكر الرجلان اسميهما، إلا أن أحدهما قال إنهم مضطرون إلى نقل أبنائهم إلى المدرسة على ظهور الحمير، لأن كلفة الحافلة أصبحت باهظة وتبلغ مليون ليرة عن كل طالب. وأضاف “عدنا 100 عام إلى الوراء، وها نحن نستخدم الدواب (…) الحمد لله على أي حال”.
وارتفعت كلفة النقل في لبنان إلى مستوى غير مسبوق، سواء بالسيارات الخاصة أو بوسائل النقل العمومية كالحافلات، إثر رفع أسعار المحروقات أكثر من 12 ضعفاً في غضون عام. وكان سعر صفيحة البنزين (20 لترا) يبلغ في سبتمبر 2020 نحو 25 ألف ليرة (نحو 16 دولارا)، أما سعرها اليوم فقد أصبح نحو 303 آلاف ليرة (نحو 200 دولار)، إثر تخفيف الحكومة دعم استيراد الوقود تدريجيا وانهيار أسعار الصرف. أما سعر صفيحة المازوت (الديزل) فوصل إلى 270 ألف ليرة لبنانية (178 دولارا) بعدما كان يبلغ قبل نحو عام حوالي 15 ألف ليرة (10 دولارات).
بدوره شكا الرجل الآخر من الانهيار المعيشي الكبير الذي يعاني منه اللبنانيون، وناشد “دول العالم أن تنظر إلى حال اللبنانيين وأطفالهم”. وأضاف “لا نستطيع إيصال أبنائنا إلى المدرسة إلا عبر الدواب”، متسائلاً “ماذا سنفعل خلال موسم الشتاء والأمطار؟”.
ومنذ عامين يعاني اللبنانيون أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، ما انعكس تراجعاً في قدرتهم الشرائية وارتفاعا قياسيا في معدلات الفقر.وعادت الحياة شبه بدائية في العديد من المناطق داخل لبنان. واليوم ارتفع الطلب على الحمير كوسيلة نقل في بعض المناطق والأرياف. وأكدت مصادر عاملة في مجال تجارة المواشي أن أسعار الحمير والأحصنة قد تضاعفت 10 مرات منذ أكتوبر 2019، بعد ارتفاع أسعار الأعلاف والتبن الأحمر والأبيض والشعير والشمندر، بل باتت أسعارها تضاهي سعر الأبقار.
وأشارت وسائل إعلام لبنانية إلى أن “سعر الحمار سابقاً كان يتراوح بين 500 و750 ألف ليرة، واليوم يتراوح سعر الحمار بين 3 و5 ملايين ليرة فيما يتراوح سعر البغل بين 5 و7 ملايين ليرة، أما الحصان فيبلغ ثمنه 25 مليون ليرة”، لافتة إلى أن “الخلافات وتصفية الحسابات بين المافيات انتقلتا من ساحة البنزين إلى تجارة الحمير”.
ويرى البعض أن اقتناء الحمير في لبنان واستخدامها أصبحا حاجة ملحة. وإلى جانب كونها وسيلة نقل عززت هذه الدواب موقعها كأداة لنقل السلع والمياه من بعض الينابيع في ظل شح المياه الصالحة للشرب، القادمة من البلديات. ويقول بعض اللبنانيين إن هذه الدواب صارت اليوم “بديلا أساسيا عن الانتظار في طوابير الذل على محطات تعبئة الوقود لجمع المحاصيل والانتقال إلى الأراضي الزراعية المهددة بالتلف”. وحتى قبل أشهر كان الحديث عن استبدال السيارات الفارهة بالحمير موضوع نكتة وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، قبل أن يتحول إلى واقع.
في يونيو الماضي قال وزير الطاقة والمياه السابق ريمون غجر “البنزين سيصبح حكراً على الأغنياء، وعلى الآخرين أن يبحثوا عن شيء ثان”، دون الإشارة إلى الحمير، لكن تصريحاته بحسب متابعين تجسدت فعليا في الوقت الراهن. وتؤكد وسائل إعلام أن البحث عن هذه الدواب في القرى صار أمراً صعباً؛ فـ”الحمير باتت في حكم المنقرضة، والعودة إليها ليست سهلة، وإن كان ذلك على سبيل الاحتياط”. حتى في البلدات الحدودية، بعض مربّي الحمير تخلّوا عنها، باستثناء كبار السن ممن لا يجيدون قيادة السيارة، أو لا يملكون ثمنها أو ثمن آلية مناسبة للحقول.