الكهرباء “الاستثنائية” غير كافية: ممنوع التفريط بمخزون بحيرة القرعون

رغم التحرّك السياسي على خطّ بيروت- بغداد لضمان توريد زيت الوقود العراقي لصالح لبنان، تأخَّرَ الإمداد، مع أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الطاقة وليد فيّاض أكّدا في وقت سابق أن عقدة إصرار الجانب العراقي على رؤية أمواله في حسابه الخاص في مصرف لبنان، قد حُلَّت. وعلى أرض الواقع، لا يزال لبنان في عتمة شبه شاملة تتوفَّر خلالها الكهرباء للمرافق الحيوية فقط.

وبانتظار الأسبوع الأوّل من شهر أيلول المقبل، إذ يتوقَّع فيّاض وصول شحنة فيول أويل عراقية لمعامل الإنتاج، تتطلّع وزارة الطاقة إلى رفدَ شبكة الكهرباء بإنتاج آتٍ من المعامل المائية التابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني. ولأن المعامل تعتمد بشكل أساسي على منسوب مياه بحيرة القرعون، لا تستطيع تلك المياه رفد شبكة الكهرباء بالطاقة لأكثر من أسبوع كحدٍّ أقصى، إذ “يجب الحفاظ على المخزون الاستراتيجي لمياه البحيرة”. فما هو مصير الكهرباء؟

إمداد استثنائي
حتى يوم أمس السبت، كانت الطاقة المنتَجة من آخر مجموعة إنتاجية لمعمل الزهراني تزوِّد المرافق الأساسية في لبنان بالكهرباء (مطار، مرفأ، مضخات مياه، صرف صحي، سجون… وغيرها)، لكن “نفاد خزين المعمل من مادة الغاز أويل بالكامل، أدى إلى توقّف التغذية على جميع الأراضي اللبنانية بما فيها المرافق الأساسية”، وفق بيان لمؤسسة كهرباء لبنان، استُبِقَ بطلب فيَّاض من مؤسسة كهرباء لبنان ومصلحة الليطاني “وضع إنتاج المصلحة من المعامل المائية على الشبكة العامة لكهرباء لبنان لتأمين بين 80 إلى 100 ميغاواط من الكهرباء، بانتظار معالجة مشكلة تأمين المستحقات المالية المتوجّبة على الجانب اللبناني لصالح الحكومة العراقية”.

نفاد الغاز أويل في معمل الزهراني كان متوَقَّعاً نظراً لعدم حلّ المشكلة المالية مع العراق. وعليه، ستبقى الأمور على حالها “لحين تبيان ما ستؤول إليه الأمور فيما خص مساعي الجهات المعنية لمعالجة مسألة تزويد مادة الغاز أويل لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، أكان من خلال اتفاقية المبادلة العراقية أو غيرها من المصادر”، بحسب البيان.
تتعقَّد الأمور أمام المؤسسة والوزارة. أما الاعتماد على المعامل المائية ومخزون الجيش اللبناني من الديزل أويل في منشآت النفط، فهو أمر استثنائي لا يمكن البناء عليه لوقت طويل. إذ يشرح المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، سامي علوية، أن “مخزون الجيش يحتاج قبل وضعه في المعامل إلى فحصه ومعرفة مدى مطابقته للمواصفات المعتمدة لمعامل إنتاج الكهرباء. أما الاعتماد على المعامل المائية، فلا يمكن أن يستمرّ لأكثر من أسبوع”. وفي حديث لـ”المدن” بَيَّنَ علوية تأكيده لفيّاض أنه “يمكن زيادة حجم إنتاج الطاقة في المعامل المائية وربطها على الشبكة ليومين أو ثلاثة، ليصار بعدها إلى الاعتماد على مخزون الجيش”. وبالتالي، فإن الإمداد الذي ستؤمّنه المعامل المائية ومخزون الجيش هو خيار استثنائي لا يلغي ضرورة إيجاد حلّ للمشكلة المالية التي تعرقل وصول الفيول العراقي كخطوة أولى، والبحث عن آلية لتأمين الفيول بشكل مستدام من خلال ضمان التمويل، وهو ما تعجز عنه حالياً مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة.

الاستعداد للأزمات
تأمل وزارة الطاقة الحصول على كهرباء إضافية من مصلحة مياه الليطاني التي تدير 3 معامل هي معمل عبد العال في البقاع الغربي ومعمل شارل حلو في جون ومعمل بولس أرقش في الأوّلي قرب صيدا. وتوزّع المعامل إنتاجها، وفق ما يشرحه علوية، عن طريق خطوط تتّجه نحو محطات في “مرجعيون، كْسارة، صيدا، بيت الدين ومحطّتيّ الجمهور 1 و2. وتغذّي هذه الكهرباء المرافق العامة ومنها محطات ضخّ”. ويشدّد علوية على أن هذه الكهرباء “للمرافق العامة فقط”.

في الأحوال العادية “تنتج المعامل نحو 60 ميغاوات وتستفيد منها نحو 200 قرية، وباقي الإنتاج يوضَع على الشبكة العامة ليوَزَّع على باقي المناطق. وما سيحصل اليوم بفعل الأزمة، هو زيادة إنتاج المعامل”. ويأمل علوية أن “يتم توجيه الإنتاج في محطات الكهرباء نحو المرافق العامة فقط، سيّما المطار، وليس بعض القرى والمدن”.
ويتوقَّع علوية أن يستهلك إنتاج الكهرباء ليومين أو ثلاثة أيام، مياهاً من بحيرة القرعون “بنحو 2 مليون متر مكعب”. وهي كمية “غير كافية لحلّ الأزمة”. ويؤكّد علوية أن في البحيرة اليوم “بين 130 و140 مليون متر مكعب من المياه، يُترَك منها كمية تُقَدَّر بنحو 50 مليون متر مكعب في القعر ولا تدخل في حسابات إنتاج الكهرباء لأن في القعر الكثير من الترسّبات، وبالتالي لا يمكن اعتبار هذه الكمية كلّها مياهاً”. وهذه الكميات من المياه تُستَعمَل بطريقة مدروسة لتغطية الحاجة على مدار العام، لذلك، يلفت علوية النظر إلى أن مصلحة الليطاني “تأخذ في حساباتها حصول أزمات طارئة أو تأخُّر موسم الأمطار أو توسَّعَت الحرب على سبيل المثال”. وبما أننا اليوم في حالة حرب وظرف أمني صعب “لا بدّ من إدارة الإنتاج بانتباه”. ولذلك على وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان إيجاد حلول سريعة وعدم الركون فقط إلى وجود كميات كبيرة من المياه في البحيرة.

لا شيء واضحاً حتى الآن عن كيفية حلّ أزمة انطفاء المعامل الحرارية. وكلّ ما تقوله المصادر في مؤسسة كهرباء لبنان في حديث لـ”المدن”، هو أن إدارة المؤسسة “ستجتمع لتحدّد كيفية إيجاد الحل المناسب لتأمين عودة التيار الكهربائي إلى مرافق الدولة، بانتظار وصول الفيول العراقي أو تأمين وزارة الطاقة مصادر أخرى للفيول”. وإلى حينه، يبدو أن بحيرة القرعون هي مخزوننا الاستراتيجي لتأمين الكهرباء لمرافق الدولة لأيام قليلة، إلاّ إذا أرادت الدولة التضحية بهذا المخزون سريعاً.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقة“صفر كهرباء”: القصّة الكاملة للقنبلة الماليّة الموقوتة
المقالة القادمةكل المعنيين بملف الكهرباء لم يقوموا بواجباتهم؟