تشكّل “الكهرباء” في لبنان واحدة من أبرز مفارقات الإنهيار. فعدا عن ماضيها “البشع” المثقل بـ 43 مليار دولار من الديون، فإن حاضرها كلف الأسر في شهر حزيران الفائت ما لا يقل عن 330 مليار ليرة، ومبلغاً قد يكون أكبر لقطاع الأعمال. وعلى الرغم من هذه المبالغ الطائلة التي دفعت، والتي ما زالت تدفع، لا يوجد “أمان كهربائي”. حيث أن الأغلبية الساحقة من العائلات والمؤسسات مهددة بفقدان هذه الخدمة نهائياً، نتيجة انعدام القدرة على تحمّل كلفتها المتزايدة بشكل جنوني.
الصدمة ليست هنا، إنما بحتمية ارتفاع هذه الفاتورة تدريجياً في الأشهر المقبلة بالتزامن مع تراجع التغذية من المولدات وكهرباء الدولة على حد سواء. فكلفة الكيلواط/ساعة المحددة بـ1400 ليرة كانت محتسبة على أساس متوسط سعر صفيحة المازوت بـ 35,200 ليرة، وبسعر صرف للدولار على أساس 15 الف ليرة. أما بالنسبة لشهر تموز الحالي فان متوسط سعر صفيحة المازوت لن يقل عن 55,500 ليرة، وسعر الصرف سيكون بحدود 20 ألف ليرة. وعليه فمن المتوقع أن يكون سعر الكيلواط/ساعة للمولدات أكثر من 2000 ليرة بدلاً من 1400 ليرة. الأمر الذي يرفع متوسط إستهلاك الأسر إلى 350 ألف ليرة بدلاً من 250 ألفاً للإشتراك، و800 ألف ليرة للإشتراك المقطوع. وهكذا سيزداد السعر بقفزات كبيرة، خصوصاً مع رفع الدعم كلياً وازدياد ساعات التقنين، حتى نعود في وقت قريب جداً إلى “الوسائل البدائية من الشمعة إلى القنديل و”لوكس” الكاز والبطارية”، يقول أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية والمشرف على “مرصد الأزمة” د.ناصر ياسين.
الوضع المأسوي الذي “ينتظر” النسبة الأكبر من المواطنين على “قارعة” انهيار القطاع كلياً، “لم يعد ينفع معه الترقيع”، يقول الباحث في مجال الطاقة في “معهد عصام فارس” في الجامعة الأميركية مارك أيوب. فـ”اللعبة انتهت ووصلت إلى خواتيمها غير السعيدة. وأصبح حل عقدة ما يولّد عقداً أكبر. فاذا افترضنا على سبيل المثال إمكانية تأمين الفيول للمعامل لفترة محددة من العراق مع تسهيلات بالدفع، فسنعجز عن صيانتها ولن تتأمن الكهرباء”. وعليه فان الحل يجب أن يكون من ضمن سلة الإصلاحات الشاملة التي تبدأ بتشكيل حكومة فاعلة، وتمر بتطبيق القوانين الإصلاحية في القطاع، والإتفاق مع صندوق النقد الدولي وتأمين الإستقرارين المالي والنقدي، وتنتهي بالإستثمارات الجدية وتطوير القطاع.
أمام ما تقدم، يظهر أن لا حلول آنية لأزمة الكهرباء؛ فالنهائية بحاجة إلى دولة حقيقية تقرر مستقبل القطاع، والترقيعية لا تفيد. ولكن رغم سوداوية المشهد “بإمكان مؤسسة كهرباء لبنان اتخاذ خطوات إدارية للتخفيف من حدة الأزمة”، برأي أيوب، “خصوصاً في ما يتعلق بتفعيل الجباية المتأخرة أكثر من عام، والتي تخسر قيمتها كلما ارتفع سعر صرف الدولار”. وبحسب المعطيات فان التسريع في الجباية وتفعيلها كفيل بتأمين بين 750 و1000 مليار ليرة. فيما يؤدي كل تخفيض للهدر بنسبة 1 في المئة إلى تحقيق وفر بقيمة 34 مليون دولار. وهذان الإجراءان لا يتطلبان حكومة أو خطة إنما فقط إجراءات إدارية.
تشير إحصاءات “مرصد الأزمة” إلى انه وفقًا لمحاكاة أسعار المواد الغذائية في حزيران 2021، من المتوقَّع أن تنفق الأسرة نحو 2,130,000 ل.ل. على وجبة رئيسية واحدة خلال شهر واحد، أي ما يعادل 3,16 أضعاف الحد الأدنى للأجور. وإذا أضفنا فاتورة الكهرباء بقيمة 350 ألف ليرة فان العائلة بحاجة إلى 2.5 مليون ليرة لتأمين وجبة غذاء واحدة فقط وكهرباء بالحد الأدنى في شهر حزيران. هذا الرقم سيتضاعف في تموز نتيجة قفز الدولار، وسيبلغ أرقاماً خيالية إذا صدقت توقعات ممثل أصحاب المولدات عبدو سعادة بوصول فاتورة 5 أمبير إلى مليون ليرة.