اللامركزية .. من يغيّبها في لبنان؟

على رغم ان هناك توافق بين معظم القوى السياسية على وجود خللٍ في الواقع الاداري، سواء من حيث الشلل او البطء في تلبية حاجات المواطنين، يختلف منسوب الرغبة لدى اللبنانيين في تطبيق اللامركزية الإدارية بين فريق وآخر، سواءً فرداً كان هذا الفريق ام طرفاً سياسياً ام فئة إجتماعية. ليبقى السؤال، هل تطبيق اللامركزية أمراً ممكناً في لبنان في ظل الواقع والطاقم السياسي الموجود في البلاد؟
فعلى رغم أن اللامركزية الإدارية مثّلت إتجاها عالميا واسعا منذ أوائل السبعينات، لا يزال تطبيقها عصياً في لبنان رغم ما يحمله غيابها من آثار سلبية على المواطن من حيث تقليص عملية المساءلة وابعاد المواطنين عن السياسات الحكومية وعن الدولة نفسها.
فمنذ اتفاق الطائف عام 1989، وحلم “اللامركزية” يدغدغ عقول اللبنانيين دون ان يجد طريقه الى ارض الواقع. ولعلّ اهمية اللامركزية تكمن في قيام جوهرها على عدم إتخاذ كل القرارات و الأعمال المتعلقة بالشؤون العامة من قبل السياسيين وعلى توزع السلطات و الصلاحيات على كل أنحاء البلاد.
إدراك أهمية اللامركزية العميق بين اللبنانيين، يثير الإستغراب بشكل كبير من عدم تطبيقها حتى يومنا هذا، فعلى ما يبدو، تقف اسباب سياسية خلف عدم تطبيق اللامركزية الإدارية في لبنان حتى اليوم لا سيما أن الطبقة السياسية في لبنان مستفيدة من الواقع المركزي حيث تصبح حصرية الخدمات بالوزارات المعنية وعملية السيطرة على مركز النفوذ وعملية الفساد أكثر راحة من خلال عدم إعطاء دور للسلطة المحلية بالتحرك”.
تحديات تعوق التطبيق
وفي الواقع يواجه تطبيق اللامركزية جملة تحديات الى جانب عدم وجود ارادة سياسية واضحة في الدولة للقيام بحركة تغيير، أبرزها ارتباط اللامركزية الادارية بشكل جذري بمسألة الحريات، وفرضها الاعتراف بممارسة الصلاحيات المحلية في إطار من الحيز الجغرافي ما يسلّط الضوء على الاستعداد لإعطاء مجالس الاقضية ولاحقاً مجالس المحافظات صلاحيات ذات بعد اقتصادي. كما ان افتراض اللامركزيّة كنتاج لتطور الديمقراطية يطرح التساؤل عن امكانية التوفيق بين اللامركزية كأداة لتطوير الديمقراطية المحلية وتراجع الديمقراطية على المستوى الوطني لصالح تكريس فدرالية مذهبية. ولا بد من وضع علامة استفهام كبيرة على نجاح تطبيق اللامركزية كأداة للتنمية المناطقية في ظل نظام اقتصادي ريعي لا ينتج سوى الخدمات مع تمركز حاد للنشاطات الاقتصادية في بيروت وضواحيها.
أضحى تطبيق اللامركزية الادارية في لبنان ضرورة من اجل تسهيل حياة المواطنين وتحسين الخدمات المقدمة اليهم بالافساح في المجال للجماعات المحلية للقيام للتخطيط والتنفيذ الفعال لمشاريع تنموية، نظرا الى معرفتهم بحاجات مناطقهم ومتطلباتها. وفي حال طُبقت، ستنعكس نتائج اللامركزية إيجابا على مختلف فئات الاجتماعية، البشرية، المهنية، الثقافية والسياسة.
فعالية اللامركزية
وتعتبر اللامركزية وسيلة فعّالة لزيادة مساءلة الشعب للحكومة و ذلك لثلاثة أسباب هي :
1- سهولة تحديد الأشخاص المسؤولين عن الأداء الإداري على المستوى المحلي وذلك بخلاف الحكومة المركزية بحجمها الواسع و بنيتها المعقدة.
2- سهولة تحقيق الشفافية في الإدارة على مستوى الحكم المحلي ما يمكّن المواطنين من معرفة كل ما يتعلق بعمل الإدارة بشكل دقيق، و خصوصا ماهية الأعمال التي تقوم بها أو لا تقوم بها
3- تعزيز قدرة المواطنين على اختيار مسؤوليهم المحلّيين بناء على إدراكهم الواضح لأولوياتهم ومصالحهم، وذلك نظراً لما تمتاز به الشؤون المطروحة على المستوى الإداري المحلي من بساطة وقابلية للفهم من قبل جميع المواطنين
وتساهم اللامركزية الإدارية في عدم تمركز رأس المال والإستثمار في العاصمة و بالتالي تساعد على اللامركزية الإقتصادية.
ومن شأن إعتماد اللامركزية الإدارية تفادي مشكلة الجمود الإداري، إذ أن وجود هيئة واحدة في البلاد لصنع القرار يجعل من عملية صنع القرار عملية بطيئة جدا وقد تتعطل تماما أحيانا.

المادة السابقةبستاني بحثت مع ريتشارد التعاون في النفط والطاقة
المقالة القادمةمنتدى اعمال لبناني قبرصي يوناني في غرفة بيروت