يختلف تقييم المخاطر بالنسبة إلى المودعين الذين يتهافتون لتجميد ليراتهم في المصارف بفوائد تصل إلى 40%. منهم من يرى أن المجازفة ليست كبيرة، وأن البلد مقبل على مرحلة أفضل قد تشهد تحسّناً في سعر صرف العملة الوطنية، في حين يعتبر آخرون أنها مقامرة، معتبراً أن اللبنانيين “شعب قمرجي ما بيتعلّم”.
أبدى خبير مالي لـ “نداء الوطن” تخوفه من أن ما يحصل اليوم لمن أسماهم بـ “المغامرين” بتجميد أموالهم بالليرة في المصارف، قد تكون تداعياته شبيهة بالسيناريو التركي عام 2000، عندما تمّ تحرير سعر صرف الليرة التركية، وانهار سعرها، وخسر المستثمرون فيها، طمعاً بالفوائد التي وصلت إلى 100%، كمية من أموالهم.
فهل ما يحصل اليوم في المصارف من إقبال على تجميد حسابات بالليرة لكسب فوائد تصل إلى 40% هو مراهنة مضمونة أم محفوفة بالمخاطر؟
في هذا الإطار، أوضح الوزير السابق والمصرفيّ آلان حكيم أن الليرة منذ فترة طويلة غير متوفّرة، بدليل أن فوائد الإنتربنك مرتفعة منذ ما قبل استلام الحاكم بالإنابة وسيم منصوري. مشيراً إلى أن المصارف لجأت اليوم إلى رفع الفوائد على الليرة من أجل استقطاب العملة المحلية، “علماً أن الاكتتاب بتلك المنتجات التي تعرضها المصارف يتمّ إجمالاً من قبل مؤسسات كبيرة وليس من قبل أفراد، لأن تلك العملية تحتاج إلى مبالغ كبيرة بسقوف عالية غير متوفرة لدى الأفراد عموماً، كما أن تلك الشركات تستخدم أساساً العملة المحلية لأهداف تشغيلية وهي تودع تلك المبالغ في المصارف لتسيير أعمالها، حتّى قبل إطلاق منتج تجميد الحسابات بالليرة مقابل فوائد عالية”.
وأكد حكيم أن الشركات الكبيرة هي التي تستفيد من تلك العروضات، رغم أن جذب الليرات بهذه الطريقة لا يعالج مشكلة فقدان الليرة من السوق، والقائمة اليوم نتيجة التداول بالدولار في كل القطاعات الاقتصادية، “لكنّه يخفف على المصارف كلفة الإنتربنك العالية التي تصل إلى 100% والتي تسددها المصارف عندما تقترض العملة المحلية من بعضها البعض”.
وأوضح أن الشركات التي تتداول أساساً بالليرة ولا تقوم بتحويلها إلى الدولار، تستفيد اليوم من الفوائد العالية وتلجأ إلى تجميد مبالغ بالليرة، رهاناً منها على إيجابية المؤشرات للمرحلة المقبلة التي ستحمل معها “new game”، خصوصاً في حال انتخاب رئيس للجمهورية مطلع العام المقبل.
وقال إن تحسّن أسعار سندات اليوروبوندز المستمرّ حالياً والمتوقع أن يزيد عند انتخاب الرئيس الجديد، سيؤثر إيجاباً على سعر صرف الليرة مقابل الدولار، علماً أن الدراسات السابقة تفيد بأن سعر الصرف الفعلي في السيناريو السيئ أو الجيّد، تشير إلى أن سعر صرف الليرة الفعليّ يجب إن يكون أقلّ بكثير من مستوياته الحالية. متوقعاً أن يتحسّن سعر صرف الليرة فور استعادة لبنان لعامل الثقة أوائل العام المقبل.
ختم حكيم: الفوائد المعروضة على الإيداعات المصرفية بالليرة تعادل أو تغطّي أي تلاعب ممكن أن يحصل في سعر صرف الليرة مقابل الدولار، بما يضمن عدم خسارة أصحاب تلك المبالغ لأموالهم بل في أقصى الحالات، يمكن أن يخسروا الفوائد فقط، علماً أن المخاطر تبقى دائماً قائمة.
من جهته، اعتبر الخبير المالي وليد أبو سليمان أن مبدأ عرض فوائد عالية حالياً هو في حدّ ذاته مؤشر على وجود مشكلة، خصوصاً أن مسار الفوائد عالمياً نزولي، وهي لا تتخطّى 4% على الدولار في حين أن لبنان يسير عكس التيار ويرفع الفوائد. وشرح أن من يقبل الاستثمار بفوائد عالية يجازف بشكل كبير، رغم أن الليرة مستقرّة اليوم لأن سعر الصرف مثبّت ولا يحدّده العرض والطلب وبالتالي، فإن سعر الصرف الحالي ليس فعليّاً بل هو اصطناعي، نتيجة سيطرة مصرف لبنان على حجم الكتلة النقدية بالليرة في السوق وإبقائها على مستويات تعادل 500 مليون دولار.
وقال أبو سلميان لـ “نداء الوطن”: الوضع الراهن لا يمنع أن يتبدّل وأن تتغيّر سياسة مصرف لبنان على غرار ما حصل في العام 2019. وبالتالي، فإن تجميد مبالغ بالليرة والمراهنة على استقرار أو تحسّن سعرها في المستقبل هي مجازفة كبيرة، علماً أن الفوائد العالية المعروضة ليست هدية عيد الميلاد أو رأس السنة، كما أنها لا تمنح overnight أي ليوم واحد بل على شهر، 3 أشهر، 6 أشهر وسنة.
وأشار إلى أن الليرة خسرت أكثر من 200 5 من قيمتها منذ العام 2019، وبالتالي فإن أي تراجع بسعر الصرف ليصل إلى 130 ألف ليرة مقابل الدولار، يعتبر بمثابة خسارة كاملة للفوائد الممنوحة على المبالغ المجمّدة. مما يجعل هذا الاستثمار بمثابة مضاربة، ورهاناً على أن الوضع مقبل على التحسّن، والتفاؤل بانتخاب رئيس للجمهورية وحصول لبنان على مساعدات ودعم مالي. علماً أن تلك الأمور غير مضمونة وأي مساعدات ستكون مربوطة بإصلاحات مطلوبة.
وأوضح أبو سلميان أن سعر صرف الليرة لا يرتبط بقواعد علمية أو اقتصادية، ولا يحدّد نسبة لما يملك لبنان على سبيل المثال، من احتياطيات بالعملات الأجنبية أو الذهب، بل إن سعر الصرف هو صُوَريّ مبنيّ على التطلعات للمستقبل وعلى عامل الثقة.
أضاف: فُقدت الثقة بالعملة الوطنية منذ العام 2019، ولم تتم لغاية اليوم استعادتها. كما أن الليرة ليست سوى عملة يتم التداول والتعامل بها وليست عملة ادّخار مثل الدولار أو الذهب. وبالتالي فإن استخدامها منحصر فقط بالمعاملات المحدّد تسديد كلفتها بالليرة. مما يجعلها بلا أيّ قيمة حقيقية.
وأكد أنه في حال عدّل مصرف لبنان سياسته في تثبيت سعر صرف الليرة، لن يكون الطلب كبيراً على الليرة، وسيتم التهافت على التخلّص منها واستبدالها بالدولارات. مما يؤشر إلى أن وضع سعر الصرف غير مضمون في المستقبل ولا توجد أي خطوات عملية تقنية، تؤشر إلى تحسّن سعر الصرف بل مجرد عامل الثقة الذي يتحكّم بمصيرها. بالتالي فإن المراهنة على تحسّن سعر صرف الليرة يعتمد على السياسة ذاتها المعتمدة في المراهنة “على طاولة القمار”. مع الإشارة إلى أن الأموال المجمّدة بالليرة اليوم، ستتحوّل فور فكّ تجميدها إلى دولارات.