يعيش اللبنانيون اليوم وضعاً استثنائياً، في ظل تنامي المخاوف من أي تطورات تحدث على الحدود الجنوبية اللبنانية، مع إمكانية تكرار سيناريو حرب جديدة، لتثير هذه المخاوف ضغطاً اقتصادياً جديداً على المواطنين.
في الأيام الماضية، زاد التهافت لشراء المواد الغذائية بشكل ملحوظ، وشهدت المحال التجارية الكبيرة أعداد غير مسبوقة من اللبنانين لشراء السلع الاستهلاكية.
تقف هيام مروة (54 عاماً) -أم لثلاثة أولاد- في طابور طويل لتسديد فاتورة السوبرماركت. تقول لـ”المدن”: “الأوضاع تثير القلق، في ظل التطورات الأخيرة، وإمكانية فتح جبهات عسكرية مختلفة، ما قد يؤدي إلى انقطاع المواد الغذائية والسلع الأساسية. وبالتالي، كان لا بد من شراء المعلبات وتخزينها”.
المئات من المواطنين تهافتوا لشراء السلع الاستهلاكية، والتي شهدت بدورها ارتفاعاً ملحوظاً في أسعارها. وهو ما يطرح علامات استفهام حول أسباب رفع الأسعار بهذا الشكل.
تتهم نسيمة خوري بعض التجار باستغلال مخاوف الناس لرفع الأسعار. تقول لـ”المدن”: “هناك ارتفاع واضح في الأسعار بين الأسبوع الحالي والسابق”. فقد اعتادت خوري على شراء احتياجتها بشكل أسبوعي بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية، ولذا، يمكنها بسهولة مراقبة تذبذب الأسعار في فترة وجيزة.
حسب خوري، ارتفع سعر الكيلوغرام من الأزر إلى نحو دولارين، بدلاً من 1.80 دولار، أي بزيادة 20 سنتاً، ما يقارب 20 ألف ليرة. ووفق خوري، تحتاج الأسرة ما لا يقل عن 5 كيلوغرامات أسبوعياً. ما يعني ارتفاع السعر بنحو 90 ألف ليرة خلال أيام.
حتى أن سعر السكر ارتفع نحو 50 سنتاً، ووصل سعر الكيس زنة 5 كيلوغرامات إلى 5.50 دولاراً. أضف إلى ذلك، وحسب خوري، لم تسلم أسعار المعلبات من الارتفاع. إذ تباع علبة الحمص سعة 400 غرام بنحو 70 سنتاً، أي 70 ألف ليرة، مقابل 50 ألف ليرة في الأسبوع الماضي، كذلك الأمر بالنسبة إلى علب الفول، والذرة وغيرها.
منتجات الأطفال
على الرغم من أن التهافت لشراء السلع الأساسية سمة ظاهرة للكثير من العائلات اللبنانية، إلا أن الازدحام حول منتجات الأطفال بدا مختلفاً. إذ سعى الكثير من الأباء إلى تخزين حليب الأطفال، خوفاً من تكرار أزمة انقطاع الحليب التي شهدتها البلاد منذ عامين تقريباً. يقول وسام سنو: “عاش طفلي البالغ شهراً تقريباً أزمة حقيقية منذ عامين بسبب انقطاع الحليب من الأسواق اللبنانية، وعلى الرغم من أنه بات في وضع صحي أفضل، وقادر على تناول الطعام، لكن الحليب بالنسبة لنا بات هاجساً، لذا، كان من الضروري شراء علب الحليب وتخزينها”. وقد ارتفع سعر الحليب 900 غرام، من 780 ألفاً إلى نحو مليون ليرة تقريباً.
سنو ليس الوحيد الذي يخشى من حصول أزمة حليب، بل هناك المئات من العائلات التي تخاف من إمكانية انقطاعه، أو حتى ارتفاع أسعاره مستقبلاً، خصوصاً وأن الثقة باتت معدومة بالسياسيين بحسب سنو.
طوابير الوقود عادت
على الرغم من أن مشهد الطوابير أمام محطات الوقود، أو حتى الأفران يعد أمراً مألوفاً في لبنان وتحديداً بعد العام 2019، إلا أن المخاوف الحالية زادت الإقبال لشراء البنزين والمازوت، خصوصاً في المناطق الجنوبية. إذ يخشى المواطنون من إمكانية نشوب حرب شبيهة بالعام 2006. يقول محمد عياش (سائق سيارة أجرة في جنوب لبنان) لـ”المدن”: “على الرغم من تطمينات المعنيين في لبنان، لتوفير المواد الاستراتيجية الأساسية، إلا أن الخوف من اندلاع حرب قد يطول أمدها، واحتكار التجار للوقود لبيعها بالسوق السوداء، يدفع الكثير من اللبنانيين إلى تخزين البنزين والمازوت، خصوصاً وأننا أصبحنا على أبواب فصل الشتاء”.
حسب عياش، فإن الخوف من انقطاع مادة المازوت أو البنزين، لا يتعلق فقط بالتطورات الأمنية الأخيرة، بل هناك مخاوف لدى اللبنانيين من أن يستغل التجار هذه التطورات لإخفاء الوقود ومن ثم بيعه في السوق السوداء، في حال اتجهت الأوضاع إلى الأسوأ. وفق تعبيره، بات اللبناني على دراية جيدة بألاعيب التجار.
يعتقد رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، أن مخاوف الناس مبررة، ليس بسبب الأوضاع الأمنية، ولكن بسبب تجارب اللبنانيين السابقة مع السلطات السياسية وكيفية إدارة الكوارث. وبالتالي، فمن الطبيعي -حسب رأيه- أن يتهافت اللبنانيون لشراء السلع وتخزينها.
يقول لـ”المدن”: “عادة خلال الأزمات، يزيد الإقبال لشراء السلع الأساسية، والأدوية، وهو ما يؤدي تلقائياً إلى رفع الأسعار، إلا أنه في لبنان، ترتفع الأسعار بمجرد حصول أي توتر أو أزمة سياسية من دون مراعاة الظروف التي يعيشها المواطن. ولذا، فإن ارتفاع الأسعار في بعض المحال التجارية، يأتي نتيجة استغلال تجار الأزمة ما يحصل لزيادة أرباحهم المالية، من دون أدنى مراعاة للأوضاع الإنسانية.
يطالب برو من السلطات اللبنانية، وتحديداً وزارة الاقتصاد، التدخل للجم هذا الارتفاع غير المبرر من جهة، ولمنع احتكار البضائع وإخفائها، بهدف بيعها مستقبلاً بأسعار مضاعفة.