اللبنانيّون قلقون من الوضع… الى قبرص دُر

يكاد المشهد اللبناني- القبرصي اليوم، يقترب ليكون شبيهاً، بطريقة أو بأخرى، من المشهد الذي ساد في حقبة بدايات الحروب اللبنانية منذ العام 1975 وصولاً الى بداية العام 1990.

وتماماً كما هجّرت الحروب والقصف اللبنانيين الى الجزيرة القريبة، كذلك تلعب الحروب الاقتصادية الحالية دوراً رئيسياً في لجوء عدد من اللبنانيين الى قبرص. ويرتدي اللجوء اليوم طابع الاستثمار، او الهروب، أو أخذ الحيطة والحذر…

وهكذا لم يعد شراء منزل في قبرص من قبل اللبنانيين مجرد خطوة لزيادة منسوب الرفاهية، حيث يمكن استخدامها لتمضية فترات من الراحة والاستجمام، خصوصاً في فصل الصيف. مع الاشارة الى انّ الوصول الى الجزيرة سريع (20 دقيقة بالطائرة) وقليل الكلفة. بل أصبح تَمَلّك شقة في الجزيرة الجارة، يتيح الحصول على إقامة دائمة، كما انّ تملّك شقة بسعر مرتفع للميسورين يتيح الحصول على الجنسية القبرصية، وهي جنسية أوروبية، وجزء من الاتحاد الاوروبي بكل ما يعنيه ذلك من امتيازات وتسهيلات محروم منها اللبناني بجنسيته اللبنانية.

بالاضافة الى ذلك، يعتبر بعض اللبنانيين انّ شراء شقة في قبرص اليوم نوع من الاستثمار المُجدي، اذ انّ أسعار العقارات ترتفع في الجزيرة، ويمكن تأجير الشقة والافادة من مدخولها لسنوات عدة، ومن ثمّ بيعها بسعر أعلى من سعر الشراء. ومع التسهيلات التي تمنحها المصارف للراغبين في الشراء، بفوائد متدنية، لا تتجاوز الـ2,5 في المئة، تصبح العملية مربحة ومفيدة في كل المقاييس.

لكنّ كل هذه الاسباب في كفّة، والهروب من الخطر المالي في لبنان في كفّة أخرى. هذا العامل مُستجد، وقد بدأ يَتظهّر بارتفاع وتيرة بيع الشقق، أو استطلاع السوق بهدف الشراء، كما لاحظ رئيس مجلس الاعمال اللبناني القبرصي جورج شهوان، وهو المطوّر العقاري اللبناني الأشهر حالياً في قبرص، والذي افتتح أمس الاول الاثنين، واحداً من أكبر المشاريع السكنية وأفخمها في منطقة ماكنزي في لارنكا (the Pearl).

شارك في حفل الافتتاح عدد من المسؤولين القبارصة، ومحافظ لارنكا اندرياس فيراس، ولبنانيون مقيمون في الجزيرة، وإعلاميون لبنانيون وضيوف لبنانيون تواجدوا بدعوة من شهوان، لمواكبة هذا الحدث.

في الموازاة، يُبدي المسؤولون القبارصة ارتياحهم لِما يقوم به المطورون العقاريون اللبنانيون. وفي كلمته، شكرَ محافظ لارنكا، شهوان على إيمانه بلارنكا، الذي «يقوم بتسويق قبرص ولارنكا، خاصةً في جميع أنحاء العالم، ويُعتبر اليوم من أكبر المطورين وأنجحهم في هذه المدينة».

في عودة الى مسألة القلق التي يعيشها اللبنانيون في هذه الحقبة، يبدو واضحاً انّ شراء شقة في قبرص أصبح من الوسائل المعتمدة لتوزيع المخاطر. وتماماً كما باتَ كل لبناني يسمع من يسأله ماذا نفعل، هل من خطر على الودائع في لبنان، وماذا عن الليرة… هذه التساؤلات التي تعكس واقع الحال، باتت من المحرّكات الاساسية التي تدفع الى ارتفاع الطلب على العقارات في قبرص من قبل اللبنانيين. إنه «تهجير» مالي لا يقل صعوبة عن تهجير الحرب.

وهذا ما يبرّر ربما، ازدياد وتيرة المشاريع العقارية الجديدة. وهذا ما يدفع المطورين العقاريين الى توسعة أعمالهم بسرعة لمواكبة نمو حركة البيع، وهذا ما يفعله شهوان، الذي أعلن في الحفل امس الاول أنّ شركته «بلاس بروبرتيز» تقوم حالياً بتطوير ٣١ مشروعاً سكنياً في لارنكا وليماسول ونيقوسيا.

في النتيجة، تستفيد قبرص من خبرات المطورين العقاريين اللبنانيين الذين ينفذون مشاريع عقارية بنوعية مميزة، وتستفيد الجزيرة من اللبنانيين الذين يتهافتون اليوم للتملّك على أرضها. وبدورهم، يشعر اللبنانيون أنهم يكسبون من الجهتين: إستثمار ناجح ومُربح، واحتياط مريح ومضمون للأموال. انها علاقة win-win في هذا الزمن الصعب في لبنان.

مصدرالجمهورية
المادة السابقةشحّ الدولار: نصف تحرير لسعر الصرف
المقالة القادمةوزير الصناعة أحال مشروع قانون دعم الصادرات الصناعية عبر نظام الرديات