اللبنانيّون يُطمئِنُون بَعضهم بَعضًا: “الدولار سيَرتفع مُجدّدًا”!

من المُفارقات الغريبة العجيبة أنّ الكثير من اللبنانيّين الذين صاروا يُشكّكون بكل شيء، بفعل التجارب العديدة السابقة المُخيّبة للآمال، تعاملوا بشيء من الحُزن مع الإنخفاض الكبير الذي لحق بسعر صرف الدولار أخيرًا، وذلك لأنّهم لم يُصرّفوا بضع مئات من الدولارات التي بحوزتهم على سعر 33000 ليرة لبنانيّة للدولار الواحد، وراحوا يُطمئنون ويُعزّون بعضهم بعضًا بالقول: “الدولار سيرتفع مُجدّدًا”!. فما هي أسباب إنخفاض سعر الصرف، ولماذا الحديث عن إرتفاع مُرتقب مُجدّدًا، وهل إنخفضت أسعار السلع في المتاجر؟!.

من المَعروف أنّ إنخفاض سعر صرف الدولار يرتبط بعوامل إقتصاديّة حسّية وأخرى سياسيّة ومَعنوية، وما حصل في الأيّام الماضية من إنخفاض سريع لسعر الصرف غير مُرتبط إطلاقًا بأيّ خُطة نهوض إقتصادي–مالي، وبأيّ خُطة تعافٍ وإصلاح، وبأيّ خُطة مُساعدة دَوليّة للبنان. كل ما في الأمر، أنّ مصرف لبنان قام بضخّ كميّة كبيرة من الدولارات في السوق، عبر مدّ المصارف بها في مُقابل حُصوله على ما يُقابلها بالليرة اللبنانيّة، وذلك من خلال تعاميم مُختلفة صدرت أخيرًا، الأمر الذي تسبّب ببداية إنخفاض تدريجي لسعر الصرف. وتزامنت هذه الخُطوة مع الحديث عن عودة مُرتقبة لجلسات مجلس الوزراء، وعن إنطلاقة قريبة لجولة مُهمّة من المُفاوضات مع مُمثّلي صُندوق النقد الدَولي، الأمر الذي ترك أثرًا إيجابيًا في نُفوس المُواطنين، الذين سارع الكثير منهم لتصريف جزء من الدولارات التي يملكونها قبل أن تخسر المزيد من قيمتها.

في كلّ الأحوال، التشكيك في أنّ سعر صرف الدولار سيَعود إلى الإرتفاع، مردّه إلى غياب أيّ خُطة إقتصاديّة وماليّة جدّية، كما سبق وأشرنا، وخُصوصًا إلى أنّ إجتماعات مجلس الوزراء التي لم تبدأ أصلاً بعد، غير مَضمونة الإستمرار، حيث يتردّد أنّ من شأن طرح أيّ بنود على جدول الأعمال من خارج الشروط التي حدّدها “الثنائي الشيعي”، ومنها مسألة التعيينات مثلاً، قد يُفجّر الجلسات ويُعلّقها مُجدّدًا في المُستقبل! ويتردّد أيضًا أنّ ما قيل عن إنطلاق المُفاوضات مع صُندوق النقد في الأيّام المُقبلة غير دقيق، وأنّ الأمور لا تزال مُعلّقة على هذا المُستوى، في إنتظار إنتهاء الجانب اللبناني من تحضير ملفّاته، وفي إنتظار جُهوزيّة المُجتمع الدَولي لمد يد المُساعدة.

وبغضّ النظر عن مدى ثبات الإنخفاض الحالي لسعر صرف الدولار، من المُستغرب جدًا أنّ مافيات أصحاب المتاجر الكُبرى (سوبرماركت)، والتي لا تقلّ سوءًا عن مافيات الجّهات الماليّة التي تلعب بسعر الصرف، لم تقم بخفض الأسعار، وذلك لتحقيق أكبر مكاسب في أقصر فترة زمنيّة مُمكنة، ودائمًا على حساب المُواطنين. ففي اليوم نفسه الذي يرتفع فيه الدولار، تقوم الجهات المسؤولة عن المتاجر بمحو الأسعار عن السلع، وبرفعها خلال ساعات، بحجّة الحفاظ على رأس المال والتمكّن من شراء سلع بديلة في المُستقبل! وعندما ينخفض سعر الصرف، حتى بمقدار 10000 ليرة للدولار الواحد-كما حصل أخيرًا، يرفض مُمثّلو المافيات التجاريّة خفض الأسعار، ويدّعون أنّهم يحتاجون لأسابيع عدّة من ثبات سعر الصرف، للبدء بخفض تدريجي وبطيء جدًا للأسعار، بحجّة أنّهم إشتروا البضائع على سعر مرتفع، علمًا أنّ الجميع يعلم أنّ البضائع تكون مُخزّنة ومُكدّسة في المُستودعات لديهم، وهي تكفي لأسابيع وربّما لأشهر طويلة!.

 

مصدرالنشرة - ناجي س. البستاني
المادة السابقةالدولار تراجع والمازوت ارتفع… ماذا يجري؟
المقالة القادمةحمية: نتفاوض مع سوريا لتسهيل التصدير وهذا العام لم تفض طريق لأول مرة بتاريخ لبنان لأننا نراقب كل أعمال المتعهدين