رفضت اللجان النيابية المشتركة التي انعقدت يوم أمس بدعوة من الرئيس نبيه بري، تمرير سابقة إعادة القوانين إلى المجلس النيابي بعد إقرارها في هيئته العامة وفي مجلس الوزراء، فامتنعت عن استلام ثلاثة قوانين تتعلق بتعويضات الأساتذة المتقاعدين وبتنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة، كان أداء رئيس الحكومة حيالها قد أثار جدلاً منذ شهر كانون الأول الماضي، لتريّثه بنشرها في الجريدة الرسمية، خلافاً لموافقة مجلس الوزراء عليها في جلسته التي انعقدت في 19 كانون الأول من العام 2023 من ضمن 14 قانوناً أحالها مجلس النواب إلى الحكومة.
تريّث رئيس الحكومة حينها جاء تحت ضغط «كارتيل» المدارس الخاصة التي لوّحت باللجوء إلى الإضراب المفتوح. وجاء تبريره وفقاً لبيان صادر عن المديرية العامة لمجلس الوزراء بإفساح المجال «لإعادة عرض القرار المتصل بإصدارها مجدّداً على أول جلسة لمجلس الوزراء للبحث في الخيارات الدستورية المُتاحة بشأنها». وكان لافتاً ألا يلجأ المعترضون إلى السبل القانونية والدستورية لهذا الإبطال، والاكتفاء بالضغوطات التي أعادت هذه القوانين إلى اللجان المشتركة، الأمر الذي اعتبر «هرطقة دستورية» وفقاً لما أجمع عليه 11 نائباً صوّتوا في اجتماع اللجان المشتركة أمس ضد إعادة مناقشة القانون، بمقابل سبعة نواب امتنعوا عن التصويت.
بحسب المعلومات، فإنّه على الرغم من توسّع النقاش حول دستورية ردّ هذه القوانين أو عدمه، فإنّه كان شبه إجماع على ضرورة الحفاظ على حقوق الأساتذة المتقاعدين، مع إبداء الحرص التام على المدارس الخاصة وتحصينها بمقومات الصمود، وعدم تحميل الأساتذة وذوي الطلاب وِزر الأزمة المالية التي يمرّ فيها لبنان، علماً أنّ هذا الأمر يناقش أيضاً على صعيد الكتل النيابية وبين وزير التربية وإدارات المدارس، للوصول إلى تسويات تجنّب المدارس المشاكل القانونية، وخصوصاً بعد أن حذّرت الأمانة العامة للمجالس الكاثوليكية من تعارض هذا القانون مع كل القوانين الموجودة، لا سيّما قانون تنظيم الموازنة المدرسية الرقم 515 وقانون التعويضات.
أما وجهات النظر المختلفة، فقد تجلّت في الصلاحيات «المجيّرة» لرئيس الحكومة، بفعل الشغور الرئاسي، بردّ القوانين التي تقرّ في المجلس النيابي ومجلس الوزراء. وبحسب النائب في «تكتل الجمهورية القوية» رازي الحاج «كانت هناك على الأقل وجهتا نظر مختلفتان بين المشاركين في الاجتماع. فبرأينا أنّ رد القانون من الصلاحيات اللصيقة برئيس الجمهورية كونه الوحيد الذي يقسم يمين الحفاظ على الدستور. إلا أنّه كان هناك وجهة نظر أخرى تعتبر أنّ هذه الصلاحيات يمكن أن تعطى لمجلس الوزراء مجتمعاً في حال غياب الرئيس. ولكن هذا ليس الواقع، لأنّ الحكومة وافقت على هذه القوانين المعادة، ورئيسها تفرّد بالتنصّل منها، عندما امتنع عن نشرها مع سائر القوانين التي أقرت في الجلسة عينها في الجريدة الرسمية».
وعليه كان هناك إجماع من قبل النواب على أن الخطوة المتفرّدة لرئيس الحكومة غير دستورية، حتى ولو تمّت تغطيتها بإعادة القوانين إلى مجلس النواب من قبل مجلس الوزراء. ورغم تحفّظ سبعة نواب لم يصوّتوا ضد استلام القوانين، فإنهم أيضاً لم يصوّتوا لصالح إعادة مناقشتها. وهذا أمر اعتبره عضو تكتل «لبنان القوي» إدغار طرابلسي أنه «أكد المؤكد حول ضرورة الحفاظ على الدستور وقانونية القوانين» متحدّثاً «عن نضال شاق بوجه منطق اللادولة، حتى لا نقول سطوة قوى المال والميليشيات، أو المؤسسات وأصحاب المصالح».
وشدّد طرابلسي لـ»نداء الوطن» على أنّ «المدرسة الخاصة تعنينا ونريد الحفاظ عليها كما على أساتذتها، ولكن إذا صدر قانون يجب أن نتعلّم الخضوع له، فنطالب بتعديلاته بطريقة قانونية، وليس بطريقة التهديد بالإضراب وكسر القوانين والدستور اللبناني».
وهو ما أكدت عليه أيضاً النائبة المستقلة نجاة عون التي اعتبرت «أن مجرد النقاش بهذا القانون كان سيخلق سابقة لا يجب أن تحصل، وهو برأي الدستوريين مخالفة دستورية، إذ إنه بعد إقرار القانون لا يجوز ردّه بهذه الطريقة لمراجعته».
وأوضحت عون لـ»نداء الوطن» أنّ «رفض ردّ القانون إلى المجلس، يعني التأكيد عليه كما أقرّه مجلس النواب ومجلس الوزراء»، علماً أنّ الأساتذة المستفيدين من القانون كانوا قد توجّسوا من تعديله، واحتاطوا لعدم السماح بذلك من خلال تجمّعهم أمام مجلس النواب بالتزامن مع انعقاد جلسة اللجان المشتركة.
وعليه اعتبرت عون ما حصل انتصاراً للأساتذة وحقوقهم التي يحفظها القانون، مسجّلة تحفظاً على المقاربة الجزئية لملف التربية، والتي تتطلّب برأيها «ورشة عمل متكاملة لإنقاذ القطاع التربوي، الذي يعاني من مشاكل كبيرة، تترك تداعيات على المستوى العلمي لطلابنا».
بعد موقف اللجان المشتركة وتوصياتها إذاً يفترض أن تحال توصيتها إلى الهيئة العامة، التي هي صاحبة الصلاحية بتحويل القانون مجدداً إلى مجلس الوزراء وإلزامه بنشره في الجريدة الرسمية كي يصبح نافذاً. غير أنّ المفارقة تبقى في عراقيل قانونية تؤخّر هذا الأمر، بعد أن سلك الطرف المعارض لردّ القانون إلى مجلس النواب، طريق الطعن بهذا الرد لدى مجلس شورى الدولة، ما يحتّم انتظار القرار الذي سيصدر عن مجلس شورى الدولة، الذي يمكن أن يكون مؤيّداً للجان المشتركة أو معارضاً لتوصياتها.
والتأخير وفقاً للنائب إدغار طرابلسي «هو على حساب الاستاذ المعتر، الفقير، المعدم، والمذلول». ولكنه ليس وحده وفقاً للنائب عون و»إنما هم كل المتقاعدين من عسكريين ومسجلين بالضمان الاجتماعي وسواهم، فنحن للأسف بوسط كارثة كبيرة، ولا نزال نتعاطى بالأمور بطريقة جزئية»، آملة أن يمهّد تنفيذ القانون بالنسبة للأساتذة المتقاعدين لتجربة متكاملة على صعيد تأمين الحقوق كافة.