أصدرت اللجنة الفنية في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تقريراً يفنّد التشوّهات الجوهرية التي وردت في مشروع قانون إنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية الذي يفترض أن تناقشه اليوم اللجان النيابية المشتركة. ملاحظات اللجنة تشير بوضوح إلى أن المشروع بصيغته المطروحة على اللجان يهدف إلى قضم تعويضات العمال وتحويلها إلى معاشات تقاعدية تكاد تكون بلا قيمة فعلية. هذا التحذير يأتي من جهة رقابية لديها خبرة في رسم الاستراتيجيات المالية والاجتماعية
في الدعوة الموجّهة إلى اللّجان النيابية المشتركة، أدرج على جدول الأعمال مشروع القانون الوارد بالمرسوم 13790 والذي يرمي إلى تعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي وإنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية. وقد عملت مجموعة من النواب على صياغة بنود هذا المشروع، على رأسهم النائب السابق نقولا نحاس، كما ساهمت في هذه الصياغة منظمة العمل الدولية التي كان لها دور في إعداد سيناريوات عن النتائج المالية المتوقعة على الصندوق، وأبرزها ما يتعلق بتعويضات العمال.المشروع لا يأخذ بالحسبان أن هناك أزمة نقدية ومصرفية أطاحت بقيمة الرواتب، ما انعكس سلباً على تعويضات نهاية الخدمة، بل تعامل معها بوصفها فرصة لإعفاء أصحاب العمل من فروقات التعويضات (فروقات التسوية). عملياً، سيتم نهب حقوق العمال من أجل إعفاء أصحاب العمل. هذا المبدأ عملت عليه تكتلات أصحاب العمل مع نحاس ونواب آخرين على مدى السنوات الأخيرة.
في عزّ هذه المؤامرة المتزامنة مع تفاقم ضعف السلطتين التقريرية والتنفيذية في الضمان، جرى تكليف لجنة فنية في الضمان بدعم من وزير العمل مصطفى بيرم. هذه اللجنة وقفت أمام أول امتحان جدّي لها، وأبدت رأياً بهذا المشروع من أجل تصويب أهداف المشروع بعيداً عن أي انحياز لمصلحة أصحاب العمل ونفوذهم القوي داخل جدران قوى السلطة في الضمان وفي مجلسَي الوزراء والنواب. فالهدف الأسمى من المشروع هو تحويل نظام تعويض نهاية الخدمة إلى نظام رواتب شهرية، بالإضافة إلى تغطية صحية. لذا، لا يجب استغلال المرحلة الانتقالية لتغليب مصلحة طرف على آخر كما هو وارد في المشروع المطروح على اللجان النيابية المشتركة، أي أن يكون لمصلحة أصحاب العمل على حساب حقوق العمال، وأن يكون لمصلحة مستقبل العمال لتأمين مداخيل معقولة لاستمراريتهم عندما يتمّون خدمتهم للاقتصاد والمجتمع، لا أن يرميهم النظام فور إتمام هذه الخدمة.
تقول اللجنة إنه يجب حفظ حقوق العامل في صرف تعويضاته، لا إجباره على الانضمام إلى نظام يأكل تعويضاته ويمنح صاحب العمل هدية سخيّة عبر إعفائه من فروقات التعويض. وأشارت إلى أنه يجب أن «يبقى للمضمون الخيار في الانتساب إلى هذا النظام من عدمه». واستتبع ذلك تعديلاً في مجموعة من المواد اللاحقة، ومنها ما كان يشير إلى أنه عند قبول المضمونين الانتقال إلى النظام الجديد، ستضاف سنوات العمل السابقة التي أمضاها المضمون في ظل نظام تعويض نهاية الخدمة إلى مدّة عمله في ظل نظام التقاعد، وتحوّل إلى حسابه الفردي الافتراضي جميع حقوقه المالية، لكن ذلك سيتم على أساس الأحكام الانتقالية التي سيلحظها مرسوم تطبيقي. هنا، اقترحت اللجنة «التأكيد على تصفية تعويض نهاية الخدمة وفقاً لأحكام قانون الضمان الاجتماعي بمندرجاته كافةً»، وتحديداً أشارت إلى المواد 51 و52 و53 و54 من قانون الضمان التي تحدّد مقدار تعويض نهاية الخدمة وكيفية احتسابه، بما فيها فروقات التعويض المترتبة على أصحاب العمل. أي أنه ليس مسموحاً لأصحاب العمل التهرّب من تسديد فروقات التصفية التي تمثّل أحد حقوق العمال المنصوص عليها في قانون إنشاء الضمان.
إذاً، ما الذي يحصل عليه المضمون في مقابل انتقاله إلى نظام التقاعد والحماية الاجتماعية بدلاً من نظام تعويضات نهاية الخدمة؟ سيحصل على راتب شهري يحتسب بناءً على معادلة تسمّى «عامل التحويل». ما ورد في مشروع القانون عن هذه المعادلة هو فضفاض واستنسابي ويرتبط بمتغيّرات أشير إليها بعبارة «يستند عامل التحويل إلى العناصر التي من شأنها التأثير في تكوين المعاش التقاعدي كمثل العمل بتاريخ التقاعد أو العجز أو الوفاة…»، لكن اللجنة رأت بما أن عامل التحويل هو عنصر حاسم في احتساب المعاش التقاعدي «ينبغي شرح هذه النقطة بشكل مفصّل وواضح»، ولفتت إلى أن المشروع ترك تحديد عامل التحويل «للمنهجية المدرجة في سياسة تمويل الصندوق، أي أنه لم يحدّد في نظام التقاعد والحماية الاجتماعية المنوي إنشاؤه، ولم يذكر في الملفات المرفقة كيفية الاحتساب ولو على سبيل المثال. كذلك، اقترحت اللجنة أن يكون هناك حدّ أدنى للمعاش التقاعدي وإزالة الالتباسات الفضفاضة التي وردت في سياق تعديلات نسب الاحتساب مثل «إعادة النظر بالنسب» التي يجب استبدالها بكلمة «رفع النسب»، إذ «لا يمكن بمطلق الأحوال خفض المعاش التقاعدي تحت هذا الحدّ، وإلا لماذا سمّيت ضمانات. كما أن ربط هذه الضمانات بالمركز المالي للضمان قد يهدّد إمكانية الحفاظ عليها عند هذه المستويات في حال فشل النظام. في كل الأحوال لا يمكن للمضمون تحمّل تبعات فشل النظام».
بالنسبة إلى الاشتراكات المتوجبة على العمال لقاء انتسابهم لهذا النظام، فقد حدّدها المشروع المقترح «كنسبة من مجموع كسب الأجير ضم سقف حدّه أربعة أضعاف متوسط الأجور المصرّح عنها…»، لكن اللجنة اقترحت إلغاء السقف، وقالت إن «وضع سقف للأجور يخفض من قيمة متوسط الأجر الذي سيحتسب أساساً لفهرسة المعاشات التقاعدية والحساب الفردي الافتراضي. كما أن التصريح عن كامل الأجر دون سقوف هدفه دعم الفئات الأقوى للفئات الأضعف في النظام الاجتماعي، وهذا جوهر وروحية وجود أنظمة التقاعد».
أيضاً، طلبت اللجنة الفنية في الضمان تحديد حصّة العمال وأصحاب العمل من نسب الاشتراكات في القانون بدلاً من منح مجلس الوزراء حق إصدارها بمراسيم. إذ «لا يجب ربط إصدارها بالمراسيم… إن توزيع نسب الاشتراكات بين صاحب العمل والأجير في القانون يحمي كلا الطرفين من المنازعات عند تعديل نسب الاشتراكات»، لذا يجب أن تذكر صراحة في القانون بنسبة 80% على صاحب العمل و20% على العامل.
ثمة الكثير من التعديلات المقترحة من اللجنة مثل إدراج ساعات العمل الإضافية كجزء أساسي من الأجر الذي يخضع للاشتراكات في الضمان، وشطب الفقرات أو المواد التي يمكن تفسيرها بأكثر من طريقة أو تلك التي تحمّل المضمون تبعات فشل النظام… باختصار، يجب إزالة نفوذ أصحاب العمل من هذا المشروع حتى يصبح صالحاً.