اللحوم للميسورين والدجاج للمستورين والفول والفلافل والمناقيش للفقراء

يُسابق المواطنون ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، للتزوّد بالمواد الغذائية والإستهلاكية الضرورية، تفادياً لمزيد من الغلاء ارتباطاً بالعملة الخضراء التي واصلت الفتك بهم على مدار الساعة صعوداً، وسط تلويح مُخيف من مختلف القطاعات بالتوقّف عن العمل، او رفع الأسعار مُجدّداً.

مشهد صيدا بدا غير مألوف أمام تهافت المواطنين على المحال التجارية والسوبرماركت لشراء المواد الغذائية والإستهلاكية، وتحديداً، الطحين والسكر والرز والزيت والبطاطا والملح والمعلّبات، حيث أبلغ عدد من أصحابها انّهم اتّخذوا قراراً بالتوقّف عن ملئها مُجدّداً، في ظلّ تفلّت سعر صرف الدولار، وصولاً الى الإقفال حتى إشعار آخر، وهدوء عاصفة الدولار.

واللافت أنّ هذا المشهد الصيداوي تزامن مع موجة إقفال جديدة، طالت للمرة الأولى معامل ومحلّات لم تتوقّف عن العمل حتى في ايام الحرب والأحداث الامنية، ومنها معمل الصابون العربي في سينيق الذي كان يُشكّل رمزاً لصناعة المدينة، ناهيك عن محلات مُتفرّقة لبيع اللحوم والمواد الغذائية والألبسة والأحذية، توزّعت بين المدينة ومُحيطها وقرى المنطقة، في وقت باتت اللحوم تقتصر على الطبقات الميسورة، بعدما فاق سعر الكيلو الواحد الخمسين الف ليرة لبنانية، والدجاج على الطبقات المستورة، بعدما لامس سعر الكيلو الواحد العشرة آلاف ليرة لبنانية، مع ارتفاع ملحوظ في طعام الفقراء المعروف من فول وحمص ومناقيش وفلافل وسواها، وبقيت الخضار وحدها بسعر مقبول، وسط مخاوف من ارتفاع في سعر البطاطا، وحلّقت اسعار الفواكه على اختلافها عالياً، من دون أي رادع.

إقبال وغلاء

وقال ابراهيم بسيوني لـ”نداء الوطن”: “هرعت الى السوبرماركت لشراء بعض الاحتياجات الضرورية وفوجئت بأن أصنافاً كثيرة غير موجودة، الرفوف فارغة أو شبه خالية، مع ارتفاع لافت في الأسعار ارتباطاً بسعر صرف الدولار، لقد تحولت قيمة المئة الف حالياً الى ما يشبه عشرة آلاف سابقاً، لم يعد بمقدور الفقراء العيش بكفاف، وأتوقّع انفجاراً اجتماعياً قريباً”. وتساءل: “أين الحكومة في التصدّي لهذه الجائحة التي تفوق خطراً فيروس “كورونا”؟ لا نريد اقوالاً بل افعالاً”.

بينما قالت إسراء جرادي، وهي تهمّ بمغادرة محل لبيع الفول لـ”نداء الوطن”: “إنّ الفقر المُدقع بات يُطوّق الناس على مختلف طبقاتهم مع اختفاء الطبقة الوسطى سابقاً”، قبل أن تتنهّد بحسرة وتُضيف: “ليس بمقدورنا شراء احتياجات مُسبقاً كما يفعل الكثيرون، نعيش كلّ يوم بيومه، وزوجي الذي يعمل على سيارة أجرة بالكاد يُؤمّن ثمن الطعام”، مُشيرة الى أنّ الغلاء وارتفاع الأسعار والخوف من المستقبل المجهول، بات حديث الناس الوحيد في جلساتهم الخاصة والعائلية والعامة.. البلد ينهار ولا أحد يسعى لإنقاذه جدياً”.

شحّ وانتظار

وبعد أزمة الأدوية، لاحت أزمة مازوت جديدة بعدما أقفلت محطّات التوزيع في صيدا بانتظار تزويدها بالكمّيات المطلوبة. وجالت قوّة من الأمن العام على المحطّات للتأكّد من التزامها بالأسعار والكمّيات الموجودة لديها، فتبين أنّ هناك شحّاً كبيراً في مادة المازوت نتيجة عدم تسلّم غالبية اصحاب المحطّات من منشآت الزهراني، اضافة الى شحّ في البنزين. وقد رفع بعض المحطّات الخراطيم فيما أقفلت محطّات اخرى بعد نفاد الكميات منها، أو قرّرت تعبئة عشرين ليتراً فقط لتسهيل انتقال الناس. وابلغ اصحاب المحطات انهم تلقّوا وعوداً بتزويدهم بالمادتين بعد افراغ باخرة لحمولتها في منشآت الزهراني اليوم.

تسوية اتفاق

وامتداداً، ومع التقنين القاسي بالتيار الكهربائي والشحّ في المياه، توصلت بلدية صيدا الى توافق مع أصحاب المولّدات الكهربائية يلتزمون بموجبه بعدم القطع او التقنين، وباعتماد تعرفة لشهر حزيران 2020 تُراعي ظروف الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود، وذلك بعد متابعة حثيثة من محافظ الجنوب منصور ضو ورئيس البلدية المهندس محمد السعودي مع أصحاب المولّدات الكهربائية.

وجاء التوافق على خلفية اجتماع عُقد في مكتب المحافظ ضو في سراي صيدا الحكومي، وشارك فيه كل من رئيس البلدية وممثلو اصحاب المولّدات في صيدا والجوار. وجرى التداول بالظروف الراهنة التي تمرّ بها البلاد وفي استمرار مولّدات الكهرباء وعدم التقنين، وتمّ الاتّفاق على ان يكون سعر التعرفة التوجيهية عن كل 5 أمبير 400 ل.ل وسعر الكيلو/ ساعة 750 ل.ل والإبقاء على المقطوعية الشهرية من دون تغيير 5 أمبير 15.000 ل.ل و10 أمبير 23.000 ل.ل و15 أمبير 30.000 ل.ل.

وفي خُلاصة المشهد، لا يُخفي كثيرون من أبناء المدينة مخاوفهم من انفجار إجتماعي قريب، بعد تضافر اسباب كثيرة لذلك، ومنها ارتفاع سعر الدولار والغلاء وزيادة نسبة البطالة مع استمرار إقفال المزيد من المؤسسات والمحال التجارية وصرف الموظفين، ناهيك عن الفقر المُدقع الذي دفع بالبعض الى بدء عرض بضاعته ليُبادلها بمواد غذائيّة لسدّ قوت اليوم.

مصدرمحمد دهشة - نداء الوطن
المادة السابقةإستقالة بيفاني عقدة إضافية في المفاوضات مع الصندوق
المقالة القادمةصندوق النقد ليس متمسّكاً بمقاربة واحدة