وَضعُ “طبخة” تصحيح الأجور على نار حامية قبل إضافة “سوائل” تعزيز إيرادات الدولة وتحقيق النمو الاقتصادي يعرّضها مع مستحقيها لـ”الاحتراق” سريعاً. فزيادة الرواتب في مرحلة انكماش مقدر من البنك الدولي بـ -10.5 في المئة، لا تؤدي إلى مفاقمة عجز الموازنة وضرب أحد أهم الشروط الاصلاحية فحسب، إنما إلى حتمية تمويل هذه الزيادات من طبع النقود. نتحدث هنا عن زيادة شهرية بقيمة تقدر بحوالى 5000 مليار ليرة سنوياً، هذا في حال اقتصرت الزيادة على رفع بدل النقل لـ 320 ألف موظف إلى 64 ألف ليرة. وعليه سيمتص بند الرواتب والأجور وحده نحو 17 ألف مليار ليرة من النفقات سنوياً في حين أن كل إيرادات الدولة المحققة في العام 2020 بلغت 13600 مليار ليرة. أما في حال الدخول في رفع الحد الأدنى للأجور من 675 ألف ليرة إلى 7 ملايين، إو حتى نصف الرقم المطلوب، فان أرقام العجز ستكون خيالية.
أبرز تجليات إبداع السلطة كانت محاولة تقسيم الزيادة على موظفيها بحيث يستفيد منها موظفو الإدارة العامة المقدرة أعدادهم بحوالى 30 ألفاً، والقوى المسلحة التي يبلغ عديدها حوالى 130 ألفاً، واستثناء بقية العاملين في القطاعات، ومنهم المتقاعدون الذي يبلغ عددهم حوالى 120 ألفاً. ومع هذا فان تمويل هذه الزيادات سيكون من خلال طباعة النقود التي ستتحول سريعاً إلى ورق “مونوبولي”، نتيجة ارتفاع التضخم وارتفاع الأسعار ونعود إلى نقطة السفر في فترة تقدر بالأشهر. فالكتلة النقدية التي تضخمت من أقل من 5000 مليار ليرة قبل العام 2020 وصلت حالياً إلى أكثر من 40 ألف مليار، ومن المتوقع بحسب الخبراء “في حال استمرار الطبع لتمويل الزيادات أن ترتفع بوتيرة 2000 مليار ليرة شهرياً. أي أنها قد تتجاوز الـ50 ألف مليار في الأشهر الاولى من العام القادم. هذه المبالغ ستتحول طلباً على الدولار، وستزيد الخلل في الموازنة وميزان المدفوعات، وتؤدي إلى انهيار قيمة العملة أكثر وأكثر”.
بدوره لن يكون القطاع الخاص بمنأى عن الزيادات حيث بدأت لجنة المؤشر التي تضم كلاً من الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام ووزارة الاقتصاد الاجتماع للاتفاق على مقدار الزيادة التي ستعطى. وفي ظل كل ما يعانيه القطاع فان “الزيادة في حال إقرارها ستكون على حساب بقية العمال وفرص التوظيف الجديدة” برأي أحد الخبراء، “حيث من المتوقع أن تعمد المؤسسات إلى تخفيض أعداد موظفيها لتتحمل الزيادة التي ستفرض عليها. الامر الذي ستكون انعكاساته أشد خطورة على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي”.