في مشهد يحمل رسائل اقتصادية وسياسية لافتة، انطلقت صباح اليوم أعمال المؤتمر المصرفي العربي السنوي 2025 تحت عنوان “الاستثمار في الإعمار ودور المصارف”، برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية ممثلاً بوزير المال ياسين جابر، وبحضور وفود مصرفية عربية ودولية، ومستثمرين، وممثلين عن جامعة الدول العربية والاتحاد الدولي للمصرفيين، وذلك في فندق “فينيسيا إنتركونتيننتال” في بيروت.
ثقة متجددة بلبنان
استعرض الوزير جابر في كلمته التحديات الكبيرة التي واجهها لبنان منذ العام 2019، واصفاً الأزمة بأنها “مالية واقتصادية شاملة اهتزت لها أركان القطاع المصرفي”، إضافة إلى الأزمات السياسية والعدوان الإسرائيلي الأخير.
وأكد أن لبنان “عازم على النهوض”، مشيراً إلى خطة حكومية واضحة للتعافي ترتكز على ثلاثة محاور أساسية:
إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإيجاد حل منصف للودائع.
إصلاح مالي ونقدي بالشراكة مع صندوق النقد الدولي.
تحديث القطاع العام وتعزيز الحوكمة لجذب الاستثمارات.
وقال جابر لـ”المدن”: “المؤتمر هو تعبير عن ثقة بلبنان وعودة العرب إلى الاجتماع فيه”.
من جانبه، اعتبر رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزف طربيه لـ”المدن” أن عودة انعقاد الجمعية العمومية في بيروت بعد أربع سنوات تمثل “شهادة ثقة دولية وعربية باستعادة لبنان لدوره”، لافتاً إلى احتضان المصارف العربية للقطاع المصرفي اللبناني في هذه المرحلة.
أما رئيس المجلس العالمي للتسامح والسلام أحمد بن محمد الجروان، فوصف بيروت بأنها “الصفحة البيضاء” في خارطة المنطقة، مؤكداً لـ”المدن” أن “دعم لبنان واجب على العرب” ومشيداً بدور النخب اللبنانية عالمياً.
حقيقة الاستثمار في البلد
أما عن حقيقة الاستثمار في لبنان في المرحلة الراهنة وصحة إقبال مستثمرين عرب على وضع رساميل في مشاريع لبنانية في المرحلة المقبلة فقد أكد أمين عام اتحاد المصارف العربية وسام فتوح ذلك كاشفاً عن نوايا العديد من المستثمرين العرب من الإستثمار في لبنان لاسيما في القطاعين السياحي والعقاري.
وتحدّث فتّوح بواقعية فقال في حديث لـ”المدن” علينا أن نميّز بين الفرص الاستثمارية المتاحة للدولة، سواء كانت تمرّ بمشكلات أم لا، وبين قدرة المصارف على تمويل هذه الاستثمارات. فالقطاع المصرفي هو أحد أهم أدوات تمويل الاستثمار، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن يكون هناك مستثمرون يأتون برؤوس أموالهم للاستثمار المباشر.
وتابع “اليوم هناك مستثمرون مستعدون لتمويل مشاريع صناعية أو عقارية أو حتى استثمارات في أوروبا أو في دول أخرى، وكذلك في لبنان. والاتحاد يلعب دوراً مهماً في دعم القطاع المصرفي العربي واللبناني عبر جذب مستثمرين من الخارج. وهذه نقطة في غاية الأهمية يجب تسليط الضوء عليها. فالهدف هو أن نحاول دعم أنفسنا والوقوف على أقدامنا استثمارياً من خلال ركائز رديفة ومكمّلة في ظل غياب القطاع المصرفي.
وأكد أن الاستثمارات الأجنبية متاحة، وهناك مستثمرون عرب وأجانب قادرون على ضخ رأس المال كما أن المشاركة الواسعة من الدول العربية في هذا المؤتمر دليل واضح على رغبة المنطقة العربية في الانفتاح مجدداً على لبنان، وهذا بداية لاستعادة الثقة رغم كل المشكلات التي تركت أثراً كبيراً.
وأضاف أن اتحاد المصارف العربية يقوم بدوره كما على الحكومة أن تقوم بدورها من خلال القوانين والإصلاحات التي لم تُنجز بعد. “لكن رغم ذلك، قمنا بخطوة متقدمة إلى الأمام، لأن هدفنا هو إعادة بناء الثقة بين لبنان والمنطقة العربية من داخل الأراضي اللبنانية، وفتح الباب أمام استثمارات عربية وأجنبية”.
تعاون أوسع مع العراق
وشكّلت المشاركة العراقية مؤشراً واضحاً على عمق العلاقات بين البلدين. إذ كشف رئيس رابطة المصارف العراقية الخاصة وديع الحنظل لـ”المدن” عن توقعات بإبرام مذكرات تفاهم واتفاقيات مهمة قريباً.
ورأى محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق أن الحضور العراقي “رسالة إيجابية للحراك الجاد في القطاع المصرفي اللبناني”.
من جهته، قال رئيس اتحاد المصارف العربية محمد الأتربي لـ”المدن” إن قرار عقد المؤتمر في بيروت يهدف إلى “تأكيد رسالة واضحة للعالم بأن لبنان في أمان وأن وضعه يتحسن باستمرار”.
جلسات وتكريم
ناقشت جلسات اليوم الأول “الدور الاستراتيجي للمصارف العربية في تمويل القطاعات الاقتصادية”، مع التركيز على تعبئة الموارد المحلية والإقليمية لمشاريع الإعمار وتعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الدولية.
وشهد الافتتاح تكريم الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك أبو ظبي التجاري، علاء عريقات، بمنحه جائزة “الشخصية المصرفية العربية لعام 2025”.
ويستمر المؤتمر على مدى يومي 27 و28 تشرين الثاني، حاملاً رسالة واضحة بأن بيروت ما زالت القاعدة الثابتة للتعاون المالي العربي، وأن ثقة العالم العربي بلبنان تتجدد بخطوات عملية على طريق التعافي.



