المؤسسات الاقتصادية مهدّدة بانهيار شامل

تطرح الارتفاعات المتتالية في سعر صرف الدولار الاميركي والعملات الاجنبية الاخرى في سوق بيروت مقابل الليرة تحدّيات متزايدة امام ميزانيه العائلة والفرد. انّ هذه التحدّيات التي بدأت اواخر عام 2019 وصلت مع العام الحالي الى نقطة، ربما يصعب على معظم العائلات والافراد التعامل معها، مع ضمان توازن الميزانية الشخصية للأغلبية الساحقة من اصحاب الاجور المحرّرة بالعملة الوطنية.

حتى العقود المحرّرة بالدولار الاميركي تُدفع بناء لسعر الصرف الرسمي عند 1500 ليرة للدولار الواحد (رغم وجود استثناءات قائمة على سياسات محدّدة للشركات في الاستمرار في استقطاب مهارات نادرة). بالإجمال، هناك جمود او انحدار في حجم الاجور المدفوعة في الاقتصاد بالمعنى الاسمي، اي من دون الاخذ في الاعتبار القيمة الحقيقية للأجر، بعد حسم التضخم، او بعد اعاده تعديلها وفقاً لسعر الصرف في السوق الحرة. لقد استطاع اللبنانيون التعامل حتى الآن، وان بصعوبة، مع الفارق بين زيادة معدلات التضخم وتراجع مستوى الدخل، وذلك عبر العمل لاكثر من دوام او مصلحة، او عمل بعض الفئات الصغيرة بأجر ثابت بعملة اجنبية، او عبر بيع المقتنيات كالسيارات والمحلات التجارية والبيوت.

لقد دخلنا الآن في مسار الانخفاض الحاد في سعر الصرف والرفع المتزايد للدعم، وسوف يؤدي تزاوج هذين العاملين الى تخفيض حاد في القيمة الحقيقية لمجموع ميزانية العائلة، وبالتالي الى التحول نحو الاسفل في خط الميزانية، بحيث يقترب ذلك الخط اكثر فأكثر من نقطة الاصل عند الصفر، وينحني اكثر باتجاه الضروريات.

انّ استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار في سوق السوداء، مضافاً اليه مسار رفع الدعم، سوف يؤديان الى انهيار اقتصادي واسع، يطال كل ما هو غير ضروري في حياة العائلات. الحل طبعاً لا يكون بزيادة الحدّ الأدنى للاجور، لانّ زيادة الاجور في ظل اقتصاد غير منتج سوف يتحول الى تضخم مضاعف وانهيار اضافي في سعر الصرف، كونه سيتأتى من مضاعفة الكمية المطبوعة من النقد حصراً. الحل هو في استعادة الحركة الى شرايين الاقتصاد، التي تؤدي الى رفع مستوى الدخل، وبالتالي القدرة على الإنفاق واعادة تحويل خط الميزانية نحو الاعلى، بما يسمح بتوزيع متوازن وواسع لكافة عناصر الدورة الاقتصادية من كافة القطاعات.

 

 

مصدرجريدة الجمهورية - د. بيار الخوري أكاديمي وخبير اقتصادي
المادة السابقةالمحروقات ترفع الأسعار… السرفيس بـ8000 ليرة
المقالة القادمةعاملات المنازل: لبنانيّات محلّ الأجنبيّات… والاستغلال مستمر