من المتعارف عليه إقتصادياً أن الأعمال التطوعية تعتبر من الأنشطة الإنتاجية التي تبقى خارج دائرة قياس الناتج المحلي الإجمالي. إلا أن أخذ الجمعيات غير الحكومية (NGO) والمنظمات الأهلية والمدنية دور الدولة بعد تفجير 4 آب الكارثي، ولّد قيمة مضافة قد تكون وصلت إلى حدود 1 مليار دولار أو ما يعني 5.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020. وهذا رقمٌ ليس تفصيلياً. فجر الخامس من آب أعلنت جمعية “أفعال، ورشة وطن” على حساباتها في مختلف وسائل التواصل الإجتماعي عن مبادرة جمع الزجاج المتساقط من المنازل والشوارع والأزقة. ودعت الجميع إلى عدم خلط الزجاج المتناثر مع الأنقاض في عمليات التنظيف والإزالة نظراً لخطورته على السلامة العامة. فـ”الزجاج كان أكثر مواد البناء تساقطاً، وأقلها إمكانية لإعادة التدوير.
تقول منسقة وعضو “منصة أفعال” لينا قماطي. و”هو سيسبب ضرراً كبيراً للعاملين في عمليات الفرز، في حال نقله مع الردميات إلى أماكن التجميع”. الطريقة الوحيدة للتخلص من الزجاج بشكل آمن ومفيد للبيئة والإقتصاد كانت بتجميعه منفصلاً عن بقية المواد في أكياس الخيش ووضعها على جانب الطريق من قبل نحو 70 متطوعاً وبالتعاون مع الأهالي. لتقوم “أفعال” بنقله إلى الكرنتينا، حيث خصصت بلدية بيروت مكاناً خاصاً لتجميع الزجاج، وطحنه وتحويله إلى تراب. وبحسب قماطي فان هذا التراب يمكن إعادة خلطة مع الإسمنت والمساعدة على ترميم وبناء ما تهدم”.
إرتدادات التفجير حولت آلاف المساكن في العاصمة بيروت، وتحديداً في المناطق المحيطة بالمرفأ، إلى أنقاض، ونزعت من فوق رؤوس عشرات الآلاف من المواطنين سقفاً يحميهم. وعلى الفور، تحولت جهود جمعية “بيتنا بيتك” إلى تأمين مساكن بديلة موقتة، لإيواء العائلات المشردة. لتنتقل في المرحلة الثانية إلى ترميم المنازل والمؤسسات المهدّمة وإعادة أصحابها إليها. فـ “أعادت الجمعية بناء وترميم 1500 منزل وأكثر من 200 مؤسسة تجارية صغيرة، ومعمل شوكولا، ومبنى أثري واحد، ومحل أثري. وهي تعمل اليوم على إعادة ترميم 3 شوارع بشكل كامل”، يقول رئيس جمعية “بيتنا بيتك” مارون كرم. “وقد بلغت كلفة إعادة الإعمار الذي تكفلت بها الجمعية 1.3 مليون دولار، جرى تأمينها من المساعدات والتبرعات من الداخل والخارج”.
مقابل عمل الجمعيات على أرض الواقع نشطت المبادارت من قبل جهات موثوقة لتأمين التمويل اللازم ورفد الجمعيات بما تحتاجه من تمويل. فاطلق “تجمع رجال الأعمال” و”اتحاد رجال الاعمال للدعم والتطوير” مبادرة “كلنا لبيروت” التي هي عبارة عن صندوق مفتوح لجمع التبرعات من الداخل والخارج. وقد استطاعت في فترة قصيرة لَمّ تبرعات بقيمة تجاوزت 8.1 مليارات ليرة لبنانية. جرى تقديمها إلى 12 جمعية موثوق فيها، تملك برامج اعادة تأهيل للمنازل ولأربعة مدارس متضررة.
من تحت الردم أو BASECAMP كانت واحدة من المبادرات المدنية التي نشأت بعد الإنفجار. فتنادت أربع جمعيات سوياً، واتخذت من موقف في منطقة مار مخايل محطة أولى لها لتجميع المساعدات المتدفقة من كل المناطق، ومن ثم توزيعها على المتضررين بالتعاون مع غير جمعيات. “الفكرة من المبادرة كانت تنسيق الجهود وزيادة التعاون وشبك الأيادي لتعزيز الكفاءة في تقديم المساعدات”، بحسب مدير العمليات في المبادرة كميل ماضي. و”مع ارتفاع كمية المساعدات بشكل كبير جداً وتنوعها بين أدوية ومأكولات وملبوسات وأدوات منزلية ومفروشات وسلع غذائية وحاجات يومية… توسعت المبادرة إلى أربعة مواقف. وقد ضمت خيمة أولى يتواجد فيها ممرضون وممرضات وأطباء، وثانية لتحديد البيوت المتضررة وكيفية توزيعها، وثالثة لمواد التنظيف، ورابعة للمأكولات، وخامسة لأدوات النظافة الشخصية. بالإضافة إلى الدور الجبار الذي قامت به هذه الجمعيات، وغيرها الكثير من المبادرات ومنظمات المجتمع المدني من الناحية الإقتصادية، فان منسّق الإدارة السياسيّة في حزب الكتلة الوطنية امين عيسى يضع هذه المبادارت في خانة “الإيمان بالمواطنة”. فبغض النظر عن قيمة هذه المساعدات في حال “قرشناها” من الناحية المادية، فان “هذه المبادارت أتت في سياق الوعي لأهمية المواطنة “المولودة” من بعد ثورة 17 تشرين الأول من العام 2019. فشوارع العاصمة بيروت غصت بالمتطوعين من مختلف المناطق وتدفقت المساعدات لأهاليها من كل لبنان.