يشكل استمرار إنتاج المحطات المائية آخر الدفاعات الصامدة في لبنان لتوفير الكهرباء، وسط مساع لزيادة الاعتماد على هذا النوع من الطاقة النظيفة، نظرا لأهميتها الاقتصادية البيئية.
وتعود أزمة الكهرباء إلى أكثر من ثلاثة عقود، لكنها استفحلت إثر الانهيار المالي قبل أربعة أعوام، ما أدى إلى شح في الوقود المخصص لتوليد الطاقة، وجعل الاعتماد على الطاقة المتجددة حاجة ضرورية.
وتعتبر الطاقة الكهرومائية من أقدم أشكال الطاقة البديلة، إذ كانت المصدر الأساسي للكهرباء ما قبل الحرب الأهلية ليبدأ بعدها تراجع هذا القطاع أمام الطاقة المنتجة من الوقود الأحفوري.
وبعكس الدول المجاورة، يتميز لبنان الواقع عند الساحل الشرقي لحوض المتوسط، بموارد مائية غنيّة، حيث تكثر فيه الأنهار والينابيع، وهي عوامل مناسبة للطاقة الكهرومائية، لكن سوء إدارة تلك الموارد أفقدها أهميتها على مر العقود.
وتنتشر 17 محطة كهرومائية بالبلاد بقوة تصل إلى نحو 300 ميغاواط، إلا أن 9 منها خارج الخدمة بسبب حاجتها إلى الصيانة وإعادة التأهيل، ما يجعل الكهرباء المنتجة من هذا النوع من المحطات لا يتجاوز 150 ميغاواط فقط.
وأقدم تلك المحطات يعود إلى عام 1923 وجرى تحديث بعضها، فيما أحدثها دشن في عام 2020. ويعد نهر الليطاني الذي يضم 4 محطات، أحد أبرز مصادر الطاقة الكهرومائية في البلاد.
ومع أن هذا النوع من الطاقة غير مُكلف اقتصاديا ويعد صديقا للبيئة، لكنه لا يشكل سوى 10 في المئة من حاجة لبنان إلى الكهرباء والتي تقدر بنحو ثلاثة آلاف ميغاواط.
وتظهر التقديرات أن طاقة إنتاج المحطات التابعة لمؤسسة الكهرباء الحكومية، التي تعمل بالوقود لا تتجاوز 1.6 ألف ميغاواط.
ولا يعتمد هذا النوع من المحطات على حرق الوقود لإنتاج الطاقة، إنما على المياه التي تتدفق عبر فتحات السدود فتتحول إلى طاقة حركية تؤدي إلى توليد الكهرباء بواسطة التوربينات.
وفي العام الماضي، أقرت الحكومة خطة للنهوض بقطاع الكهرباء، تتضمن جعل المصادر المستدامة، وهي الشمس والرياح والمياه، تُشكل 30 في المئة من استهلاك الكهرباء بحلول 2030.
وتعد محطة بولس أرقش الواقعة بين قضائي صيدا والشوف وسط البلاد والتي أنشئت في عام 1965، أحد المرافق الحكومية التي ما زالت تحافظ على حسن سير العمل فيها، وإنتاج الطاقة أسوة بالمحطات الثلاث الأخرى التابعة لنهر الليطاني.
ويؤكد مدير المحطة عباس مدلج الذي يدير أيضا محطة شارل الحلو، أن هذا النوع من الطاقة كان يمثل 70 في المئة من مجمل إنتاج الكهرباء، لكنه تقلص إلى 20 في المئة جراء تنامي الطلب المحلي.
ونسبت وكالة الأناضول إلى مدلج قوله “لطالما كانت الطاقة الكهرومائية مهمة جدا منذ أن وُضعت المخططات المائية من قبل الراحل إبراهيم عبدالعال في الخمسينات، والتي تضمنت إنشاء سدود ومحطات كهربائية عند نهر الليطاني”.
ويوصف نهر الليطاني بأنه “كنز لبنان وشريان حياته” نظرا إلى أهميته الحيوية، فهو أكبر الأنهار فيه ويمتد على طول 170 كيلومترا من منطقة سهل البقاع غربا ويصب في البحر المتوسط جنوبا.
وفي إشارة إلى أهمية هذا النوع من الطاقة، لفت مدلج إلى أنه عندما توقفت جميع محطات إنتاج الكهرباء، التي تعمل على الوقود في العامين الماضيين، بقيت المحطات الكهرومائية خاصة التابعة لنهر الليطاني تنتج الطاقة باستمرار ودون توقف.
وتساهم محطات نهر الليطاني في توفير 50 مليون دولار سنويا لخزينة الدولة عبر تخفيف الاعتماد على الوقود الذي يستخدم في توليد الكهرباء.
وأدت الأزمة الاقتصادية منذ نهاية 2019، إلى شح في الوقود المخصص لتشغيل محطات الطاقة، ما أدى إلى انقطاعها بشكل شبه تام عن المؤسسات والمنازل ولفترات طويلة.
وتنتقد منظمات دولية تراخي السلطات اللبنانية في الاستثمار بمصادر الطاقة البديلة، وتقول إن مؤسسة الكهرباء الحكومية لم تحسن منذ ثلاثة عقود تطوير نشاطها ولم تتبع سياسات مستدامة، ما تسبب بانهيار القطاع بالكامل عام 2021.
وتكتسب الطاقة الكهرومائية أهمية بيئية واقتصادية كبرى، فهي طاقة متجددة وغير ملوثة، نظرا إلى عدم وجود أي انبعاثات، فضلا عن أن كلفة تشغيلها تعد منخفضة جدا، ولا تحتاج إلى يد عاملة كبيرة.
ولفت مدلج إلى أن “ما يميز هذه المحطات أنها نادرا ما تتعرض لأعطال بسبب هندستها الميكانيكية والتي لا تعتمد على الوقود”، مضيفا أن “العالم يتجه نحو الاعتماد أكثر على الطاقة المتجددة وتطوير تقنياتها”.
وأكد أن هناك إمكانية لزيادة إنتاج الطاقة الكهرومائية في لبنان مستقبلا، من خلال إنشاء محطات إضافية على بعض الأنهار عبر إقامة سدود صغيرة.
وبحسب تقارير رسمية، تقدر كمية الأمطار والثلوج التي تتساقط في لبنان سنويا بحوالي 750 مليمترا، إلا أنه يتم استغلال 20 في المئة فقط منها لإنتاج الطاقة.