اضطرت الموانئ التجارية البحرية الرئيسية في جنوب شرق الصين قبل أشهر إلى إبعاد العشرات من السفن لعدة أيام بينما كان الإعصار دوكسوري يستهدف البلاد.
وتسببت العاصفة، التي عززتها مياه المحيط الهادئ الدافئة خلال يوليو، في أسوأ فيضانات تشهدها الصين منذ أكثر من نصف قرن، حيث أغلقت المصانع، ودمرت المحاصيل، وانهارت المنازل.
وقدرت الصين الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية في شهري يوليو وأغسطس الماضيين بنحو 10 مليارات دولار، لكن حصيلة الأضرار الرسمية لا تعكس سوى جزء صغير من التكاليف التي جلبها الإعصار.
ويتوقع أن تتكلف إعادة بناء المناطق المتضررة من الفيضانات وإنشاء البنية الأساسية المقاومة للمناخ تكاليف أكبر كثيرا مع إصدار الصين ما قيمته تريليون يوان (139 مليار دولار) من السندات السيادية لتحفيز اقتصادها.
وقال الخبير روبن كوبكي في صندوق النقد الدولي إن “بخلاف هذا المبلغ كانت الصادرات والواردات الصينية أضعف من المتوقع في يوليو الماضي، على الأقل جزئيا بسبب العاصفة”.
ويرجح خبراء أن مثل هذه الكوارث ستصبح أكثر تكرارا، مما يشكل اختبارا متزايدا لموانئ العالم الرئيسية البالغ عددها 1340 وطرق الشحن العالمية.
وأكدت مصادر لرويترز أن رغم المخاطر المتزايدة، فإن الشركات والأنظمة المالية لا تزال غير مستعدة لمواجهة الاضطرابات القادمة بسبب البيانات غير المكتملة والضغوط قصيرة المدى والاعتماد المفرط على التأمين.
ولا تقوم الكثير من الشركات بالإبلاغ عن المخاطر، وأحيانا لا تكون على علم بها، وفقا للبيانات، التي تمت مشاركتها حصريا مع رويترز بواسطة سي.دي.بي، أكبر منصة إفصاح للشركات في العالم في ما يتعلق بالقضايا البيئية.
وتقول حوالي 80 في المئة مما يقرب من 5 آلاف شركة ستقدم تقاريرها في عام 2023 إنها معرضة لمخاطر مناخية.
ومع ذلك، أفاد 53 في المئة فقط بأن المخاطر المادية مثل الأعاصير يمكن أن تلحق الضرر بعملياتها، بل إن أقل من ذلك، أي نحو 40 في المئة الذي شملهم مسح سي.دي.بي أفصحوا عن التأثيرات المالية المحتملة.
وتواجه البلدان المشاركة في مؤتمر للمناخ (كوب 28) هذا العام في دبي عجزا هائلا يصل إلى 366 مليار دولار سنويا في تحديد حجم الأموال المتاحة للتكيف مع تغير المناخ بما في ذلك البنية التحتية المقاومة للمناخ مثل الموانئ.
وقال روان دوغلاس، الرئيس التنفيذي لقسم مخاطر المناخ والمرونة في شركة هاودين للتأمين، إنه “لم يتم أخذ مخاطر المناخ المادي والمخاطر الطبيعية في الاعتبار إلا بالكاد في الأسواق المالية”، وأضاف “لكن من المهم أن يكونوا سريعين”.
ويعتقد كوبكي بأنه في حالة دوكسوري، فإن الضرر لم يكن ليقتصر على الصين، وكان من الممكن أن تتواصل هذه الاضطرابات في الموانئ لتؤثر على الشركاء التجاريين حتى مالطا، في المتوسط، وجيبوتي، البوابة الساحلية لشرق أفريقيا إلى إثيوبيا.
وباعتبارها الأبواب الأمامية للاقتصاد العالمي، فإن الموانئ معرضة للخطر بشكل خاص، حيث تتعامل مع حوالي 50 في المئة من التجارة العالمية في حين تتعرض للعواصف المتفاقمة وارتفاع منسوب مياه البحار.
ويكلف الطقس المتطرف بالفعل أكثر من 7.5 مليار دولار سنويا من الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للموانئ وفقدان الإيرادات، وفقا لباحث تحليل المخاطر جاسبر فيرشور في جامعة أكسفورد.
وعند الأخذ بعين الاعتبار الأضرار التي لحقت بالتجارة العالمية، فإن تقديرات الخسائر تصل إلى ما يزيد قليلا عن 100 مليار دولار سنويا.
ويهدد الطقس المتقلب، إذا ما تم توسيع نطاق الرؤية، بما لا يقل عن 120 مليار دولار سنويا في النشاط الاقتصادي العالمي، مع انتشار اضطرابات الشحن هذه لتؤثر على أنشطة التصنيع والتصدير.
ولمساعدة الحكومات والشركات على الاستعداد لهذه الضربات مستقبلا، أطلق فريق من صندوق النقد وأكسفورد الشهر الماضي نظاما لرصد العواصف يسمى “مراقبة الميناء” (بورت ووتش).
ويقدم هذا النظام تحذيرات وتحليلات في الوقت الحقيقي للعواقب الاقتصادية المحتملة، بما في ذلك لدول المصب في سلاسل التوريد المعطلة.
وقال ألكسندر مارتونيك، رئيس فريق حلول الأعمال للخدمات المالية والتأمين بشركة إي.أس.آر.آي، التي قدمت تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية ورسم خرائط البيانات التي تدعم بورت ووتش، “لا ينبغي لأحد أن يكشف عن تلك المخاطر”.
ويمكن للتنبيهات بشأن الاضطرابات المحتملة أن تتيح للمصنعين التخطيط للشحنات المتأخرة أو المساعدة في تهدئة الأسواق المالية المتوترة.
ولكن مارتونيك يؤكد أنه “عندما يكون لدى الجميع نفس المعلومات، يكون هناك المزيد من الشفافية، وتكون الاستثمارات أكثر استباقية التي يمكن أن تساعد بشكل عام في تقليل الاضطرابات قبل حدوثها”.
وبالنسبة للمخاطر المتعلقة بالمياه التي تواجه شركات البنية التحتية، بما في ذلك مديرو الموانئ، أظهر مسح سي.دي.بي أن 55 في المئة معرضون للخطر، لكن 45 في المئة فقط أبلغوا عنها هذا العام وقدم 33 في المئة فقط تقديرات للأثر المالي.
وفي السنوات المقبلة، سوف تصبح الضغوط المالية على الشركات، وبالتالي على الاقتصاد العالمي، أكثر حدة.
ونظرت بيانات شركة ساستانليستس التي تمت مشاركتها حصريا مع رويترز في التكلفة المحتملة للشركات في مختلف القطاعات بناءً على سيناريوهين مناخيين، وهما الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري عند درجتين مئويتين أو الحفاظ على العمل كالمعتاد.
وتظهر البيانات أن الخسائر التراكمية المباشرة الناجمة عن المخاطر المناخية المادية ستبلغ في المتوسط 285 مليون دولار لكل شركة بحلول عام 2050 حتى في السيناريو الأكثر اعتدالا، في حين أن سيناريو الانبعاثات الأعلى سيشهد ارتفاعا إلى 352 مليون دولار.
وتباين التأثير داخل القطاعات، فمن الممكن أن تتوقع شركات الطاقة، على سبيل المثال، خسائر تتراوح في المتوسط بين 1.3 مليار دولار و1.6 مليار دولار من الأصول المتضررة، مع تراوح أسعار المرافق بين 931 مليون دولار و1.2 مليار دولار.
وبالنسبة لقطاع الطاقة بأكمله، فإن تلك الخسائر حتى 2050 ستصل إلى 423 مليار دولار في أسوأ السيناريوهات. وتظهر البيانات أن جميع القطاعات مجتمعة تتطلع إلى خسارة ما يقرب من 2 تريليون دولار.
وفي جميع القطاعات، تشكل الفيضانات الساحلية أكبر التهديدات والسبب المحتمل للضرر، حيث إن العديد من الشركات لديها عمليات تتمحور حول المدن والموانئ البحرية.
وقال أوميد صابري، رئيس مؤشر بناء المرونة في مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي، “لا أعتقد أن المؤسسات المالية تقوم بعمل جيد في فهم المخاطر”.
وأضاف أن هناك “مستوى من العناية الواجبة يحدث بشأن الاستثمارات المباشرة، لكنه يعتمد إلى حد كبير على الظروف التاريخية وليس على التوقعات بشأن كيفية تطور تغير المناخ”.
وبعد أشهر على إعصار دوكسوري الذي اجتاح الصين، أدركت شركة بيجين جيهوا سي.أي.تي.في أن لديها مشكلة، وأبلغت البورصة المحلية في أكتوبر بأنها تكبدت خسائر في الأصول من جراء العاصفة بلغت 6.24 مليون دولار.
وجاءت معظم الخسائر من الأضرار التي لحقت بالأصول الثابتة، بما في ذلك كابلات الألياف الضوئية ومعدات غرف الخوادم ومباني المكاتب والمخزون.
وقالت جيهوا حينها إن “خطة التأمين الخاصة بالشركة غطت الخسائر جزئيا فقط”. وأوضحت أن الكارثة “سيكون لها تأثير معين على النتائج التشغيلية للشركة لعام 2023″، ونبهت المستثمرين إلى “الانتباه إلى مخاطر الاستثمار”.
ورغم تزايد مثل هذه الأمثلة، يحذر خبراء الأعمال من أن العديد من الشركات ليست لديها خطط لحماية أعمالها من المناخ.
ومن بين أكبر 2500 شركة في العالم، فإن 59 في المئة منها ليست لديها خطة للتكيف مع تأثيرات المناخ، وهي إحصائية لم تتغير منذ ثلاث سنوات، وفقا لبيانات آس آند بي غلوبال حول الاستدامة.
وتظهر البيانات أن الشركات التي لديها خطط للتكيف مع المناخ ليست لديها بالضرورة جداول زمنية لهذه الخطط، حتى مع تصاعد تغير المناخ.
ويؤكد الخبراء أن هذا يجعلهم يعتمدون بشكل مفرط على التأمين، وهي مشكلة حيث بدأت بعض شركات التأمين في رفض المناطق المعرضة للمخاطر المناخية، على سبيل المثال التأمين على المنازل بالقرب من غابات كاليفورنيا المعرضة للحرائق.