المدن الذكية وحدها لا تكفي، لا بد من امتلاك البيانات

تحاول شركات أفريقية تقديم بديل لأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تطورها الشركات الغربية حيث تتزايد المخاوف من “الاستعمار الرقمي” مع جمع الشركات الكبرى لبيانات الأشخاص واستخدامها.

وتقود بيلونومي مويلوا مختبر أبحاث الذكاء الاصطناعي ليلابا أيه آي، ويعني اسمه “موطن” بلغتي سوتو وتسوانا في جنوب أفريقيا. ويعكس هذا هدفه المتمثل في بناء خوارزميات صممها الأفارقة للأفارقة.

ويندرج ضمن مجموعة من الشركات الناشئة الأفريقية التي تهدف إلى تقديم بديل لأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تطورها الشركات الغربية مثل أوبن أيه آي وغوغل حيث تتزايد مخاوف “الاستعمار الرقمي” مع جمع الشركات الكبرى لبيانات الأشخاص واستخدامها.

وقالت مويلوا، مشيرة إلى حملات المعلومات المضللة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، “يمكن لهم أن يأخذوا بياناتنا بنفس الطريقة التي افتكوا بها مواردنا المادية ويعالجونها قبل بيعها لنا… أو استخدامها لتطوير تقنيات قادرة على استغلالنا بشكل أكبر”.

وفي المقابل، طورت ليلابا أيه آي أداة لمعالجة اللغات الأفريقية غير الممثلة كما يجب لمساعدة الشركات على ترجمة النصوص والصوت ونسخه وتحليله لصالح المستهلكين المحليين.

وتُعتمد أرباح المشروع لبناء منصة بيانات مفتوحة لتوثيق عملية إعادة القطع الأثرية الأفريقية.

وفي حين لا تقتصر المخاوف من استعمار بيانات على أفريقيا، يقول خبراء التكنولوجيا إن لوائح الذكاء الاصطناعي الضعيفة المعمول بها في الأنحاء الأفريقية تزيد من المخاطر.

ومع غياب اللوائح المناسبة لحماية بيانات المستخدمين المحليين واحتياجاتهم، حذّر تقرير لليونسكو صدر عام 2022 من أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في أفريقيا يمكن أن “تفاقم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية القائمة” من خلال تعميق التمييز ضد الفئات الضعيفة مثل اللاجئين، على سبيل المثال.

وقالت غودليفير أوموجيشا، الشريكة المؤسسة لجامعة بوستيما للذكاء الاصطناعي والأبحاث متعددة التخصصات في أوغندا، إن “التحديات الخاصة التي تواجه أفريقيا تتطلب تطوير حلول ذكاء اصطناعي مصممة لتلبية الاحتياجات المحلية”.

وتعتمد المؤسسة الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالأمراض في المحاصيل لمساعدة المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة وتساعدهم على مواجهة تأثيرات تغير المناخ المتزايدة.

وقالت أوموجيشا إن “عدم تأسيس مبادرات محلية للذكاء الاصطناعي لتلبية الاحتياجات الأفريقية يشمل العديد من المخاطر بما في ذلك الاستغلال المحتمل للبيانات الأفريقية دون فوائد عادلة”.

وقالت بوبينا زولفا، من مجموعة أبحاث بولليسي للبيانات الأوغندية، إن الذكاء الاصطناعي المصمم “للمستخدمين العالميين” يهمل لغات واحتياجات الأفراد الذين لا يندرجون في فئة “الذكور البيض”.

وأضافت في مقابلة عبر الإنترنت “تبقى فكرة وجود مستخدم عالمي خرافة على أقل تقدير”.

وتركز أبحاث بولليسي على كيفية جعل التكنولوجيا تعطي الأولوية لاحتياجات النساء الأفريقيات اللواتي لا يشكلن عادة جزءا من التطورات التقنية السائدة. كما تدير مجموعة من برامج المشاركة المجتمعية، بما في ذلك “داتا ليديز” التي تجمع النساء معا للتعلم عن صناعة البيانات بما في ذلك التحليل والتعلم الآلي والتصور.

وتنتشر مشاريع مماثلة عبر القارة. وشهدت أوغندا إطلاق سانبيرد أيه آي عام 2019 لمعالجة القضايا الاجتماعية في الدولة الواقعة في شرق أفريقيا. ويستخدم الذكاء الاصطناعي لترجمات اللغات الأصلية، واكتشاف التلوث السمعي، وتخطيط الكهرباء، وتحليل وسائل التواصل الاجتماعي.

وتبقى جميع مبادرات سانبيرد أيه آي مفتوحة المصدر، مما يعني أن الشركات أو الهيئات الحكومية تستطيع الاستفادة من الخوارزميات والنتائج المتوصل إليها.

وقال إرنست مويبازي، وهو المدير التنفيذي لشركة سانبيرد إيه آي، “ندعو إلى توسيع نطاق الفائدة الاجتماعية بدلا من التركيز على الربح المادي المتأتي من التكنولوجيا”.

وهناك تحديات متعددة تواجه رواد الذكاء الاصطناعي المحليين رغم الارتفاع في مبادرات الذكاء الاصطناعي الأفريقية (وجد تقرير اليونسكو 112 تطبيقا ومنظمة في تسعة بلدان أفريقية) وهي تشمل الفجوة الرقمية الواسعة، وانقطاع الكهرباء والإنترنت، ومعدلات الفقر وهجرة الأدمغة العالية، وفقا لمناصري الحقوق الرقمية.

وحدد تقرير غوغل الأخير لنظم المطورين البيئية في أفريقيا وجود ما يقدر بنحو 700 ألف مطور في القارة. ويقارن هذا بمليون شخص في مدينة بنغالور الهندية وحدها، وفقا لمنظمة سكاريلا التنموية الهادفة لتطوير البرمجيات الهندية.

لكن بيلونومي مويلوا ترى أن هذه القيود يمكن أن تؤدي أيضا إلى الابتكار بدافع الضرورة. وقالت “نرى بأن القيد هو الدافع. تأتي معظم التكنولوجيا التي تتطور في القارة من قاعدة الحاجة، وليس من قاعدة الترفيه أو الأنا، يحاول الناس حل مشكلة، وهذه أسباب قوية جدا”.

لكنها حذرت من التسابق لحل مشاكل مثل الافتقار إلى ترجمات للغات السكان الأصليين والذي قد يترك الجماعات المحلية محرومة من حق التصويت، مشيرة إلى نقاش مماثل في نيوزيلندا حول لغة الماوري. وقالت “علينا التفكير في كيفية حماية المجتمعات التي نستمد منها المعلومات. وعلينا تحديد كيفية تعويضها بإنصاف”.

فإذا كان هناك أسباب تبرر للدول الأفريقية مخاوفها، فإن هناك أضعاف عدد هذه الأسباب يجب أن تدفع دول الشرق الأوسط للخشية من تسلل الاستعمار إلى المنطقة عن طريق الذكاء الاصطناعي.

ورغم ذلك، تندفع دول الشرق الأوسط مأخوذة بالأهمية المتنامية لاقتصاد الذكاء الاصطناعي لفتح أسواقها دون حذر أمام عمالقة التكنولوجيا، ودون اتخاذ خطوات فعلية لحماية الثروة القادمة من المعلومات.

فمن يسيطر على البيانات يتحكم بالعالم. وهذا الكلام وإن بدا مبالغا فيه إلا أنه حقيقة واقعة، ليست التكنولوجيا هي الغاية هنا، بل البيانات التي هي نفط الذكاء الاصطناعي.

ولا يكفي أن نبني مدن ذكية، ولا يكفي أن تحل في طرقاتنا خلال خمس أو عشر سنوات سيارات ذاتية القيادة مكان السيارات التقليدية. ما يجب التركيز عليه هو نفط المستقبل، البيانات، وكيف يمكن أن نمتلك أكبر قدر منها من جهة، وكيف نحمي بيانات مواطنينا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من جهة أخرى.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالشحن البحري العالمي يسير بثبات نحو الانبعاثات الصفرية
المقالة القادمةوزارة المالية رفعت مشروع قانون موازنة 2024 إلى مجلس الوزراء ليصار إلى مناقشته