المدينة الصناعية في بعلبك: حبر على ورق!

ذهبت المدن الصناعية التي وُعد بها أبناء البقاع، من تربل الى بعلبك وصولاً الى دير المخلص في الشوف، أدراج الرياح، وتناثرت أحلامهم بنهضة إقتصادية – صناعية تعيدهم إلى أحضان الدولة، وتُسقط عنهم وعن المنطقة شُبهة الخروج عن القانون، وأنها مسرح للفلتان الأمني.

ينقص محافظة بعلبك الهرمل الكثير من الإنماء والالتفات من الدولة، كحال باقي المحافظات، ويشبه مشروع المدينة الصناعية الذي أبصر النور نظرياً عام 2016، ولم يكمل دربه حتى اليوم، المشاريع التي تسبق الجولات الانتخابية عند كل استحقاق نيابي، وما تلبث أن تتبخر ما إن تصل اللوائح الحزبية، أو المرشحون بالمفرّق، إلى المجلس النيابي. أطل وزير الصناعة السابق النائب حسين الحاج حسن في نيسان عام 2018 وفي جعبته خبر إلى أبناء بعلبك الهرمل، مفاده موافقة مجلس الوزراء على إقامة ثلاث مدن صناعية في تربل وبعلبك، إضافة الى دير المخلص في الشوف، بغية تحقيق نهضة صناعية وإنمائية في هذه المناطق وتوفير فرص عمل للشباب. وسبق هذا الاعلان إجتماع عقد عام 2016 في وزارة الصناعة ترأسه الحاج حسن أطلقت خلاله الدراسات الأولية لإنشاء المدن الصناعية الثلاث. وقبله، أجرت منظمة الـ»يونيدو» في جنيف مناقصة دولية لتلزيم مشروع الدراسات فازت بنتيجته الشركة الهندية «ماهندرا»، وقد تعهّدت خلال الاجتماع في الوزارة بوضع تصور نهائي لتكاليف البنى التحتية والحاجات الضرورية للمدن خلال ستة أشهر.

تضمّ المدن الصناعية الثلاث مصانع صغيرة ومتوسطة الحجم يصل عددها إلى المئات وتوفر أكثر من مئتي ألف فرصة عمل، وهي فرصة لجذب الإستثمارات وتنظيم المدن التي ستنفّذ فيها، لجهة البنى التحتية والطرقات، وما توفره من خدمات متنوعة، ناهيك عن نزع فتيل الضرر من بين المنازل والأسواق عبر نقل المعامل والورش إلى الأماكن المخصصة لها.

وذكرت مصادر معنية لـ»نداء الوطن» أنّ المشروع المزمع انشاؤه كان بين وزارة الصناعة ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، وتبلغ كلفته 83.5 مليون دولار، قدمت ايطاليا 500 ألف يورو لتمويل الدراسات، ومنحت قرضاً بقيمة 7 ملايين دولار للتمويل، ليبقى 77 مليون دولار. ففي بعلبك ستقام المدينة على أرض تبلغ مساحتها حوالى 510 آلاف متر مربع، يتمّ فرزها إلى 88 عقاراً، وتبلغ كلفة البناء 18 مليون دولار، تمتدّ على سنتين توفر خلالها آلاف فرص العمل لعمّال البناء، في وقت ستؤمّن المدينة الصناعية أكثر من 4000 فرصة عمل.

وأشارت المصادر الى أنّ الأرض التي قدّمتها بلدية بعلبك للمشروع لا تزال كما هي، وهي مصنّفة صناعية وتمّ تحديدها وتصوينها، والمشروع يُعدّ من أهمّ المشاريع التي يمكن أن تعود بالفائدة على مدينة بعلبك والمحافظة بأكملها. وكان من المفترض أن تضمّ المدينة الصناعية مركزاً للمعاينة الميكانيكية، إضافةً إلى مسلخ ومعرض للحوم، ونقل كل الصناعات الصغيرة والكبيرة إلى المنطقة المحدّدة في حي الشراونة في بعلبك قرب سوق الخضار الذي يقع ضمن أرض المدينة الصناعية أيضاً.

وتحدثّت المصادر عن سببين أساسيين يعوقان بدء تنفيذ المشروع: الأول، الواقع الأمني الذي يميّز المنطقة، حيث تصنّف أنها ذات خطر أمني، وتشهد اشكالات كثيرة ومداهمات شبه يومية للجيش، فهي كانت ملجأً للمطلوبين وتجار المخدّرات. والثاني، هو تمويل الجهات المانحة، فبعد دخول لبنان في آتون الأزمة الاقتصادية الحادة منذ عام 2019 وما رافق ذلك بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020، تحوّل الدعم والتمويل نحو أماكن ومشاريع أخرى.

وأكّدت المصادر «انتفاء السبب الأول مع استتباب الأمن في المنطقة، ليبقى السبب الثاني أساسياً في بدء التنفيذ، وهو لم يعد متوافراً من الجهات المانحة»، مضيفةً أنّ «المنطقة تحتاج الى الدولة، وأن تدخل الحكومة إليها إنمائياً، لكي يشعر المواطن البعلبكي أنه من أبناء هذا الوطن، وأنّ الدولة تسعى لتنهض بمنطقته وباقتصادها. فعمليات الدهم وملاحقة المخلّين بالأمن لا تكفي، وأبناء هذا المنطقة يستحقّون أن تأتي الدولة إليهم وفي جيوبها مشاريع إنمائية وإقتصادية تفتح لهم آفاقاً جديدة، وتبعدهم عن الأعمال غير الشرعية التي يقومون بها».

وحول التعدّيات على الأرض المخصّصة للمدينة الصناعية أشارت المصادر الى «أنّ هناك تعديات قديمة، لكنها ليست مشكلة او عائقاً أمام التنفيذ، فعند تأمين التمويل توجد الحلول المناسبة».

في أيار عام 2020 إفتتحت وزارة الصناعة اللبنانية مقرّاً لها في محافظة بعلبك الهرمل، ليشكّل بارقة أمل في تحقيق اللامركزية الادارية، وباباً للمدينة الصناعية، غير أنّ هذا الباب لم يشعّ منه النور ايذاناً بالبدء. وآخر ذكرٍ للمدينة الصناعية في محافظة بعلبك الهرمل كان أواخر تشرين الثاني عام 2021، حين عقد الوزير جورج بوشكيان اجتماعاً مع ممثل البنك الدولي للتثمير داميان سوريل وتمّ الاتفاق على تنفيذ المشروع في تربل وبعلبك ضمن مشروع متكامل سيكون منتشراً على كل الاراضي اللبنانية، بهدف التنمية المستدامة وإنماء الريف، وترسيخ الناس في أرضهم، ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم المدن الصناعية في خبر كان.

 

مصدرنداء الوطن - عيسى يحيى
المادة السابقةخدمات بالجملة وشطب عمولات بالمفرّق
المقالة القادمةبوادر تحسّن مضلّلة ولا تضمن الإزدهار