«المركزي الأوروبي» يواجه «حرباً مصيرية» في يوبيله الفضي

بينما يحتفل البنك المركزي الأوروبي بيوبيله الفضي، صرح بوريس فويستش، عضو مجلس محافظي البنك أمس الجمعة، بأن ارتفاع أسعار المستهلكين ما زال مسألة شائكة.

وأضاف فويستش، وهو محافظ البنك المركزي الكرواتي، خلال عرض تقديمي في كرواتيا، أن «زخم التضخم ما زال مستمرا، لا سيما التضخم الأساسي ومكونات المواد الغذائية». ونقلت عنه «بلومبرغ» قوله إن الوقت ما زال مبكرا للغاية لاستخلاص النتائج بشأن تباطؤ إقراض البنوك، رغم أن اضطرابات القطاع المالي تتراجع تدريجيا.

وتجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة منذ يوليو (تموز) الماضي سبع مرات متتالية في سلسلة غير مسبوقة، وذلك لمواجهة استمرار الارتفاع في معدل التضخم، وجاءت هذه الخطوة من جانب البنك المركزي الأوروبي بعد سنوات من أسعار الفائدة الصفرية والسلبية.

وتؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى ارتفاع تكلفة القروض، الأمر الذي يمكن معه تقليل الطلب ومواجهة معدلات التضخم المرتفعة، وهكذا يسعى البنك المركزي الأوروبي إلى تحقيق هدفه الأعلى، وهو استقرار الأسعار في منطقة اليورو على المدى المتوسط من خلال إبقاء معدل التضخم عند 2 بالمائة.

وأثبت البنك المركزي الأوروبي في الأعوام الماضية قدرته على التصرف، حيث تمكن من اجتياز أزمات مثل الأزمة المالية وأزمة الديون وأزمة كورونا، ولا يزال البنك بعد مضي 25 عاما على تأسيسه يصارع من أجل تحقيق هدفه المحوري، ألا وهو تحقيق استقرار اليورو، العملة الأوروبية الموحدة.

وقبل تسعة أعوام أشادت كريستين لاغارد الرئيس الحالي للبنك المركزي الأوروبي والمدير السابق لصندوق النقد الدولي بمسؤولي البنك المركزي الأوروبي، ووصفتهم بأنهم «أبطال الأزمة». وبحكم منصبها الحالي على رأس المركزي الأوروبي أصبحت السياسية الفرنسية نفسها مديرة للأزمات.

وتحل في مطلع يونيو (حزيران) المقبل الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لتأسيس البنك المركزي الأوروبي، وهو يصارع حاليا التضخم المرتفع باستمرار من أجل تحقيق هدفه شديد الخصوصية، وهو استقرار اليورو لملايين المواطنين في 20 دولة تطبق العملة الأوروبية الموحدة.

وبدأ تاريخ البنك المركزي الأوروبي في صيف عام 1998 بالتوصل إلى حل توافقي أوروبي نموذجي، وهو عدم إسناد رئاسة البنك المركزي المشترك الجديد، الذي يقع مقره في مدينة فرانكفورت الألمانية، إلى شخصية من ألمانيا أو فرنسا، وهما أكبر اقتصادين في منطقة اليورو، بل تم إسناد هذا المنصب إلى الهولندي فيم دويزنبرغ.

وبغض النظر عن الصراع الذي دار على المناصب الكبرى في المصرف، فإن الأوروبيين تمكنوا من خلال تأسيسه من تنفيذ واحد من أهم المشاريع في تاريخهم الاقتصادي بأسلوب عقلاني للغاية.

وفي 25 مايو (أيار) 1998، عينت حكومات الدول الإحدى عشرة الأعضاء في منطقة اليورو آنذاك رئيس البنك المركزي الأوروبي ونائبه والأعضاء الأربعة الآخرين في المجلس التنفيذي للبنك. ودخل تعيينهم حيز التنفيذ بحلول أول يونيو 1998 إيذانا بقيام البنك.

وبدوره لم يترك الرئيس التأسيسي للبنك المركزي الأوروبي، دويزنبرغ، مجالا للشك حول المقصد الذي يعني المؤسسة الوليدة في المقام الأول، ألا وهو نيل ثقة المواطنين في أن العملة الموحدة ستكون على نفس درجة الاستقرار التي كان يتمتع بها قبلها المارك الألماني، والفرنك الفرنسي، والغولدن، والخولده الهولندية، وغيرها.

وكتب دويزنبرغ لمحافظي البنوك المركزية المستقلين في كتب الضيوف لرؤساء البنوك المركزية في دول اليورو: «اليورو عملتكم، وبمقدوركم أن تثقوا في أنه سيحافظ على قيمته».

وفي الماضي القريب كان البنك المركزي الأوروبي على موعد مع مهمة صعبة جديدة، وذلك عندما أخذ معدل التضخم في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 في التسارع ليصل إلى قيمة قياسية بـ10.6 بالمائة، وهي قيمة شديدة البعد عن هدف 2 بالمائة الذي يسعى البنك المركزي الأوروبي إلى تحقيقه على المدى المتوسط من أجل استقرار اليورو. وواجه البنك هذا التطور بسلسلة من رفع أسعار الفائدة.

ومع ذلك استمر ارتفاع معدل التضخم مدفوعا بالدرجة الأولى بارتفاعات أسعار الطاقة والمواد الغذائية في أعقاب وقوع الحرب الروسية على أوكرانيا، الأمر الذي جعل مسؤولي البنك المركزي يسألون أنفسهم مرارا بشكل نقدي حول ما إذا كانوا تمسكوا لفترة أطول من اللازم بسياسة الأموال الرخيصة التي شملت شراء سندات حكومية بمليارات اليورو بعد الأزمة المالية في 2008/2007.

وعلى الصعيد الداخلي، واجه البنك صعوبات تمثلت في وجود خلل في التصميم في وحدة العملة، ويرجع ذلك الخلل إلى أن الأوروبيين طبقوا عملة مشتركة، دون أن تكون لديهم سياسة مالية ونقدية مشتركة.

وكان كبير الاقتصاديين السابق في البنك المركزي الأوروبي أوتمار إيسينغ قال في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 إن عدم تجانس دول اليورو وبالتالي اختلاف مصالحها يمثل مشكلة هائلة بالنسبة للسياسة النقدية المشتركة. ومع أنه لا يتعين على محافظي البنوك المركزية الوطنية أن يمثلوا المصالح الوطنية داخل مجلس البنك المركزي الأوروبي، فإن إيسينغ يرى أنه «عندما يلعب شراء السندات الحكومية مثل هذا الدور المهيمن في سياسة البنك المركزي الأوروبي، عندئذ سيصبح من الصعب للغاية تنحية المصالح الوطنية جانبا».

وسواء كانت الأزمة هي أزمة مالية، أو أزمة ديون، أو أزمة جائحة كورونا، فإن البنك المركزي الأوروبي الذي عمل كفريق إطفاء أزمات أظهر إبداعا في استخدام الوسائل المضادة في مواجهة مثل هذه الأزمات. وتفنن مسؤولو البنك في إعداد برامج مختلفة لشراء السندات، وأمدوا البنوك بقروض رخيصة وخفضوا سعر الفائدة إلى مستوى قياسي بـ«صفر في المائة» وفرضوا فوائد سلبية على الودائع بالشكل الذي جعل المصارف تشكو من الفوائد العقابية وجعل المدخرين يشعرون بأن ودائعهم عرضة للمصادرة.

والآن نشهد الصراع مع التضخم ومخاوف العديد من الناس من عدم كفاية ما لديهم من مال لنفقاتهم الضرورية. وأكدت ايزابيل شنابل عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي في الخريف الماضي أن «الناس بمقدورهم الاعتماد على البنك المركزي الأوروبي في عودة التضخم إلى الانخفاض مرة أخرى»، وقالت: «سنؤدي مهمتنا، وسنعمل من أجل استقرار الأسعار».

مصدرالشرق الأوسط
المادة السابقة300 مليون دولار من البنك الدولي لفقراء لبنان
المقالة القادمةإضراب لأسبوعين في إدارات الدولة: تمويل رواتبنا منهوب