المركزي السوري يقيّد عمليات الاستيراد..لوقف نزيف الليرة المستمر

تواصل الليرة السورية تسجيل الخسائر المتتالية في قيمتها أمام الدولار الأميركي، بينما يبدو أن مصرف سوريا المركزي لم يعد يملك المزيد من الخطط التي من شأنها أن توقف نزيفها المستمر، بعدما لم تحقق إجراءاته السابقة مكاسب تُذكر.

وتخطت العملة السورية حاجز الخمسة آلاف ليرة للمرة الأولى في تاريخها الاثنين، وسجلت صباح أمس الأربعاء خمسة آلاف و130 ليرة في سوقي دمشق وحلب.

هامش الاستيراد

والواضح من خلال التعميم الذي نشره البنك المركزي في بداية آب/أغسطس، وهو الوقت الذي بدأت فيه الليرة عملية الانحدار المتسارع في قيمتها، أنه ينص صراحة على إيقاف تمويل المستوردات من بعض أنواع السلع الغذائية تحت ذريعة اكتفاء السوق منها، وتوفير القطع الأجنبي من العملية. كما يبدو أن توفير ذلك القطع لم يعد متاحاً سوى من بوابة الاستيراد واللعب على هذا الهامش فقط.

وفي هذا السياق، كشف تعميم جديد صادر عن وزارة النقل في حكومة النظام بموجب كتاب أُرسل إليها من المصرف المركزي، بشكل لا لبس فيه أنه يسعى لفرض المزيد من القيود على عمليات الاستيراد الخارجي إلى سوريا. ويقول التعميم إن المطلوب من المستورد “إرفاق صورة عن البطاقة الشخصية والعنوان المُفصّل ورقم هاتف مُرسل البضاعة”، إضافة إلى “البيانات التفصّيلية بالمُرسل إليه”، معيداً السبب إلى “التمكن من إجراء اللازم في حال تنظيم قضية جمركية بالبضائع المُرسلة”.

توفير القطع الأجنبي

ويؤكد الخبير الاقتصادي رضوان الدبس أن مضمون أي قرار يصدر من وزارة المالية والذي يتبع لها بطبيعة الحال المصرف المركزي، يهدف بشكل أساسي الى الحد من عمليات الاستيراد وتقييدها، مهما كانت تلك الشروط الموضوعة بسيطة وسياقها منطقي.

ويوضح الدبس في حديث ل”المدن”، أن التعميم ينطوي على عدد من الغايات والأسباب بما في ذلك توفير بيئة ملائمة لعدد من المتنفّذين الاقتصاديين لممارسة عمليات التهريب بشكل مُنظّم، إضافة إلى تصريف بعض البضائع المُهرّبة المتوفرة في السوق المحلي والمستوردة بواسطة عُصّبة أمراء الحرب والمتنفّذين، على حساب باقي تجّار الاستيراد، والذي سيؤدي قرار تقييد الاستيراد لزيادة المعروّض من تلك البضائع وبالتالي تصريفها بمدة قصيرة.
لكنّ السبب الأبرز بحسب الدبس، هو توفير القطع الأجنبي الذي يُستنزف في عملية الاستيراد، في محاولة لكبح جماح النزيف المستمر في سعر صرف الليرة، وتدارك عجز الميزانية الذي “وصل إلى حد 8 تريليونات ليرة سورية”، خصوصاً أن وزارة المالية دخلت الربع الأخير من العام 2022، مع هذا العجز، متوقعاً المزيد من القرارات التي ستصدر تباعاً خلال فترات قصيرة لتأمين ذلك العجز وتمرير السنة المالية الحالية.

ولا يتوقع أن تنعكس تلك الخطوة إيجاباً بتوفير القطع أو سدّ العجّز، وإن حدث فستكون آثاره آنية وليس على المدى المتوسط أو الطويل، وسرعان ما ستتلاشى آثارها، معيداً السبب إلى عدم وجود خطط متوقعة طويلة الأجل تُعنى بالسياسات المالية، فضلاً عن كون 90 في المئة مما يصدر عن حكومة النظام من القرارات، مبني على أحداث أسبوعية أو شهرية وحتّى يوميّة.

رفد الخزينة من عمليات التهريب

وبينما يتفق مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية الدكتور كرم شعّار مع الدبس بأن الغاية من القرار هو رفد الخزينة السورية من العملات الصعبة، إلا أن شعّار يختلف معه بكيفية تحصيلها.
إذ يرى شعّار في حديث ل”المدن”، أن الواضح من نصّ التعميم هو محاولة من قبل النظام تأمين رؤية أكثر وضوحاً للمضبوطات من المواد المُهربة، وتسهيل عمليات ضبط التهرب الضريبي في هذا السياق، وذلك عبر تسهيل التعرف على مصدر المستوردات والجهة المُرسلة إليها، وبالتالي تسهيل إصدار القرارات القضائية والحجز الاحتياطي على المُتهرّبين.

لكنه لا يتوقع للخطوة النجاح وكذلك انعكاسها بنتائج إيجابية في رفد خزينة حكومة النظام، معيداً السبب إلى أن عوائد الغالبية العظمى من عمليات الضبط الجمركي تدخل كرشاوى من قبل المتهربين إلى جيوب الضباط المُشرفين عليها، وليس الى خزينة وزارة المالية.

مصدرالمدن
المادة السابقة«أوبك» تخفض توقعاتها لنمو الطلب للمرة الرابعة
المقالة القادمةصندوق النقد يحذّر العالم: الأسوأ اقتصاديًّا لم يأتِ بعد