بعد أكثر من 4 سنوات على تفجّر الأزمة المالية في لبنان واحتجاز المصارف أموال المودعين، وبعد أكثر من 3 سنوات على قرار تسعير الودائع بالليرة اللبنانية بأدنى من قيمتها الحقيقية، أعاد مصرف لبنان اليوم الودائع إلى عملتها الأساسية التي أودعت بها وألزم المصارف “وإن بشكل غير مباشر” بالإعتراف بها كودائع مؤهلة.
فقد توصّل مصرف لبنان والمصارف بعد اجتماعات مطوّلة دامت لأيام، إلى صيغة لتعديل التعميم 151 منتهي الصلاحية والذي تحتسب المصارف على أساسه سعر الدولار بـ15000 ليرة فقط، وتقضي الصيغة الجديدة بسداد مبلغ بقيمة 150 دولاراً لكل مودع غير مستفيد من التعميم 158 بصورة شهرية.
جولة من حرب المودعين
أصدر مصرف لبنان تعميماً رقم 166 يقضي بصرف 150 دولاراً لكل حساب مصرفي عالق لدى المصارف، مرفقاً بآليته التنفيذية التي لا تزال حتى اللحظة محط تحفّظ واختلاف بين المصارف. فمصرف لبنان نال موافقة المصارف على تطبيق قرار الـ150 دولاراً على أن يغطي نصف قيمتها أي 75 دولاراً لكل مودع، بمعنى آخر سيتقاسم مصرف لبنان مسؤولية تكلفة سداد الـ150 دولاراً للمودعين المستفيدين من التعميم البديل عن التعميم 151 وسيتحمّل نصف تكلفة التعميم البالغة قرابة 230 مليون دولار سنوياً.
وبحسب مصدر من مصرف لبنان فإن تعميم الـ150 دولاراً هو أفضل الممكن في الوقت الحاضر وهو من شأنه إحداث تقدّم ملحوظ جداً في ملف الودائع “فالمصارف حين تلتزم بسداد 150 دولاراً لأصحاب الودائع التي كانت تعتبرها غير مؤهلة فهي بذلك تعترف بأهلية تلك الودائع وهذا الأمر يعَد انتصاراً جزئياً للمودعين”.
وتعليقاً على قيمة الدفعات التي يعترض عليها المودعون لاسيما في ظل المستويات الهائلة للتضخم بالبلد، فالـ150 دولاراً تُعد مبلغاً زهيداً جداً مهما بلغت قيمة الوديعة، بالإضافة إلى ترسيخها للتمييز بين المودعين فمنهم يتقاضون 300 دولار من حساباتهم بموجب التعميم 158 ومنهم سيستفيد من 150 دولار فقط من حسابه وهذا أمر غير مُنصف بحق المودعين.
استمرار الخلاف
ويكشف المصدر عن استمرار الخلافات بين نائب حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري والمصارف حول تمنّع مصرف لبنان من تحديد سعر صرف للسحوبات اقترحه بعض المصرفيين بدلاً من 15000 ليرة لكنه أدنى من السعر الحقيقي للدولار بنحو 50 في المئة.
وقد استند منصوري في رفضه إصدار سعر جديد لدولار السحوبات إلى كون موازنة العام 2024 من شأنها أن تشطب سعر الصرف المعمول به حالياً أي الـ15000 ليرة، وعلى الرغم من عدم تحديد قانون الموازنة العامة سعر صرف رسمي بشكل واضح إلا أنها اعتمدت سعر الـ89500 ليرة في العديد من البنود كما انها لم تعتمد سعر الـ15000 ليرة في أي منها وعليه فإن نشر الموازنة في الجريدة الرسمية سيجعل سعر الصرف الحالي لدى المصارف غير موجود في التداول على الإطلاق.
وفي حين لم يستبعد المصدر أن تتمسك بعض المصارف بإلزام مودعيها على السحب بموجب السعر الساري حالياً أي 15000 ليرة إلا “أن هذه الممارسات لن تمر على مصرف لبنان مرور الكرام”. لم ينكر المصدر بأن بعض المصارف قد تعجز عن الإلتزام بالسعر الحقيقي للدولار وهذا الأمر قد يعرّضها لإعادة تموضعها في السوق وتحديد حجمها الحقيقي ومصير استمراريتها. ملمحاّ إلى استحصال منصوري على الضوء الأخضر من رئيس مجلس النواب للدخول في مواجهة مع المصارف في سبيل الدفع باتجاه إعادة هيكلة ذاتية في ظل عجز مجلس النواب عن إقرار قانون إعادة الهيكلة.
المستفيدون من التعميم
يشمل التعميم الجديد البديل عن التعميم 151، كافة الودائع غير المشمولة بالتعميم 158، بمعنى آخر سيستفيد من التعميم كل مودع لا تسري عليه اليوم عملية سحب 300 دولار فريش، مع بعض الإستشثناءات من بينها استثناء تجار الشيكات.
وعليه سيستفيد المودع من سحب 150 دولاراً كحد أقصى شهرياً مهما بلغ حجم حسابه المصرفي لكن لا يمكن للمودع الإستفادة من التعميم الجديد من أكثر من حساب مصرفي بمعنى انه يستفيد من التعميم من حساب واحد فقط مهما تعدّدت الحسابات في المصارف.
وبحسب آليته التنفيذية سيتم التشدد بتطبيقه لتحديد شرعية الأموال المودعة في الحسابات، ويبقى خوف من استنسابية تطبيقه من قبل المصارف. وهنا يعلّق المصدر بأن على المصارف أن تتحمل المسؤولية وتتعامل بجدية مع التعميم لاسيما لجهة تحديد المودعين المستفيدين الذين يحق لهم الإستفادة من سحب 150 دولار.