المركزي يحوّل الرواتب بالدولار والمصارف تتمرّد وتسلّمها بالليرة

تحوّل شكل العلاقة بين مصرف لبنان والمصارف اللبنانية إلى ما يشبه القطيعة. يُصدر البنك المركزي قراراً، فتتجاهل مصارف تطبيقه وتُعيد أخرى تفصيله على قياسها، بلا حسيب أو رقيب. أما لجنة الرقابة على المصارف فلا أثر لها ولا فاعلية.

وهل يعلم مصرف لبنان أن المصارف تمتنع عن تسديد رواتب ومستحقات الموظفين بالدولار على سعر منصة صيرفة؟ ألا يعلم المركزي أن المصارف تضع سقوفاً متفاوتة لعمليات السحب على منصة صيرفة، فيما بينها وبين زبائن المصرف نفسه؟

رواتب بالدولار مع وقف التنفيذ!

مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى مستويات عالية جداً اخترقت 35 ألف ليرة، وتدهور قيمة العملة الوطنية ومعها رواتب موظفي القطاع العام، حاول مصرف لبنان بإيعاز وتنسيق مع السلطة السياسية تنفيس الاحتقان الحاصل في إدارات ومؤسسات القطاع العام وفي عموم الشارع، فقام بتسديد كل رواتب موظفي القطاع العام والعسكريين والمساعدة الاجتماعية للمصارف بالدولار الأميركي، وبشكل نقدي، وعلى سعر منصة صيرفة. بالإضافة إلى دفع كافة المنح المدرسية للعسكريين وموظفي القطاع العام الواردة عبر تعاونية موظفي الدولة نقداً بالدولار الأميركي، وفق سعر منصة صيرفة.

لكن السؤال هل ستلتزم المصارف؟ وهل سيتقاضى موظفو القطاع العام رواتبهم فعلاً بالدولار على منصة صيرفة؟

الجواب يختلف بين مصرف وآخر وبين حالة وأخرى في المصرف نفسه. فلا قاعدة ثابتة تطبقها المصارف على كافة عملائها، ومنهم من يرفض رفضاً قاطعاً صرف الرواتب والمساعدات الاجتماعية وبدلات النقل بالدولار الأميركي بسعر صرف منصة صيرفة. ومنهم من لا يزال يحصر الاستفادة من دولارات منصة صيرفة بأصل الرواتب فقط، أي من دون احتساب المساعدات الاجتماعية وبدلات النقل ومنح الإنتاج لموظفي القطاع العام.

مصارف مخالفة

بنك بيروت والبلاد العربية BBAC توقف كلّياً عن بيع الدولارات عبر منصة صيرفة، من دون أن تتثبت لجنة الرقابة إن كان يمتنع عن بيعها للعموم، مع استثناء بعض المحظيين، أو أنه توقف كلّيّاً عن بيع الدولارات. أما المصارف المخالفة ومن بينها بنك سوسيتيه جنرال SGBL، فتتجاهل مضمون القرار الصادر عن مصرف لبنان حديثاً، والذي يحدّد فيه تحويل الدولارات للمصارف لسداد كل رواتب موظفي القطاع العام والعسكريين والمساعدة الاجتماعية بشكل نقدي وعلى سعر منصة صيرفة.

يستمر المصرف SGBL وغيره عدد من المصارف برفض صرف المساعدات الاجتماعية للقطاع العام على منصة صيرفة. وتعتمد فروع مصارف أخرى أسلوب المماطلة واستغلال حاجة الموظفين والعسكر لرواتبهم على تضاؤل قيمتها لتأمين معيشتهم. فتتذرّع فروع بعض المصارف خارج بيروت بأن عملية السحب على منصة صيرفة تستلزم تقديم طلب وإرساله إلى الإدارة العامة للمصرف، لانتظار الموافقة. علماً ان فروع المصارف خارج العاصمة بيروت بات عددها قليلاً جداً. وهو ما يستلزم من الموظف السير عشرات الكيلومترات للوصول إلى المصرف، خصوصاً في منطقة البقاع الأوسط والشمالي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن فروع المصارف على كامل منطقة البقاع الشمالي لا يتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة.

لذلك تضطر الغالبية الساحقة من الموظفين سحب رواتبها بالليرة اللبنانية، من دون الاستفادة من دولارات منصة صيرفة، تجنباً لتأخير الحصول على الرواتب أياماً وربما اسبوعاً حسب سرعة الفرع بالحصول على موافقة الإدارة العامة، في حال أتت الموافقة فعلاً.

مصارف معرقلة

وليست المصارف الملتزمة بقرار مصرف لبنان بأفضل حال. فمنها من يخفض سقف السحوبات للمستفيدين من منصة صيرفة إلى الحدود الدنيا. فلا تتجاوز قيمة السحوبات الشهرية 100 أو 200 دولار فقط، أي نحو مليونين و800 ألف ليرة من الراتب أو الحساب.

بالنتيجة، لم يعد بإمكان الغالبية الساحقة من موظفي القطاع العام سحب كامل رواتبهم، بما تشمل من مساعدات اجتماعية وبدلات نقل وزيادات أخرى. ومن المصارف التي خفّضت قيمة السحوبات بنك البحر المتوسط Bank Med الذي خفّض قيمة السحب على منصة صيرفة من 500 دولار شهرياً إلى 200 دولار، في حين خفضت مصارف أخرى السقف إلى 100 دولار فقط.

وأكثر من ذلك تحصر بعض المصارف عمليات الاستفادة من منصة صيرفة بصرافات آلية محدّدة، وبمواقيت محدّدة ليست معلومة للجمهور، إلا لمَن سأل وقرر الانتظار أمام الصراف الآلي لساعات وربما أيام. فبنك البحر المتوسط على سبيل المثال يفتح بات صيرفة لمدة 30 دقيقة فقط (من الساعة 12 وحتى 12:30) خلال يومين بالأسبوع. أما بنك الإعتماد اللبناني فلا يتيح عمليات السحب بالدولار على منصة صيرفة في غالبية فروعه وصرافاته الآلية المتواجدة في البقاع والجبل والشوف.. ومثله العديد من المصارف.

مصدرالمدن - عزة الحاج حسن
المادة السابقة«الكابيتال كونترول» كرة نار يتقاذفها السياسيون
المقالة القادمةباب قروض السكن يُقفل نهاية أيلول: أموال عديمة القيمة