منذ ابتداء “مشوار” الدولار التصاعدي، عجزت كل القرارات والتعاميم عن لجمه. وكان كلما ضرب “توب سكور” جديد، يتكرر السيناريو نفسه. إذ يأمر المركزي الصرافين بتخفيض سعر الصرف بحدود 700 ليرة، فيعتكفون عن البيع ويحجم المواطنون في الوقت ذاته عن تصريف ما لديهم من دولارات، وهكذا يقفز ويعود ليتضاعف خلال أيام قليلة.
في الوقت الذي يتعمد المركزي اصدار القرارات بيده اليمنى، يفلت “رسن” الدولار باليسرى من خلال دخوله شارياً كبيراً للعملة الصعبة من السوق. أساليب المركزي لم تقتصر على “الرسمية” كاصداره التعميم 13220 الذي يجبر مؤسسات التحاويل النقدية بالوسائل الالكترونية، أن “تسدد قيمة أي تحويل نقدي الكتروني بالعملات الأجنبية وارد إليها من الخارج بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر السوق (3650)، وأن تبيع من الوحدة الخاصة المنشأة في مديرية العمليات النقدية لدى مصرف لبنان، العملات النقدية الأجنبية الناتجة عن العمليات النقدية”، انما تعداها الى الشراء مباشرة من الصرافين وهو ما يضعه مدير شركة مكتف لتحويل الأموال ميشال مكتف ضمن خانة “الشرعي”، إذ ان لكل مؤسسة مرخصة الشراء والبيع فكيف اذا كان المصرف المركزي.
تدخل “المركزي”، المتوقع انه مستمر، في شراء الدولار طرح أكثر من علامة استفهام عن السبب، أهو لحاجة فعلية أم لأسباب سياسية؟
تجيب مصادر مطلعة ان الامرين مبرران. فمن الناحية الاولى، احتياطي “المركزي” الذي يبلغ نحو 22 مليار دولار ليس موجوداً في صيغته النقدية “بنكنوت”، انما قد يكون مستثمراً بأكثر من طريقة، وبالتالي فان مصرف لبنان بحاجة لأي دولارات من أجل الاستمرار في تمويل عمليات الشراء الاساسية من قمح ونفط ودواء. أما من الناحية الثانية فإنه من الممكن ان يكون الشراء سياسياً، خصوصاً ان كل شيء يسيّس في لبنان أو يستغل لأمور سياسية.
مهما كان السبب فيجب ان يتوقف. فالمواطنون غارقون، بكل ما للكلمة من معنى، في فقر مدقع، والتجار غير الجشعين أصبحوا يبيعون بخسائر، والكثيرون منهم أنزلوا جراراتهم وأقفلوا محالهم لحين ثبات الدولار على سعر، أما البلد فيسير سريعاً إلى الانهيار. وبرأي مكتف فإنه “كلما كان القرار السياسي واضحاً وشفافاً وخالياً من الضغينة والغايات الكيدية تكون الليرة والاقتصاد على الطريق الصحيح، لكن في حال العكس فإنّ كل الإجراءات ستكون مضيعة للوقت”.