المساعدات “بالقطارة” واللبنانيون إلى العصيان الكامل أو الدمار الكامل

الجمعيات الإنسانية التي فرّخت كما الفطر بدأت تتوقف. وكراتين الطعام التي اتكل عليها كثير من البيارتة أصبحت شبه نادرة. وحديث الساعة في ذاك الشارع البيروتي المتواضع جداً اصبح: كيف سنأكل؟ ما معناه ان الأزمة ستتضاعف والجمعيات التي نشطت، كبديل عن الدولة، سترفع هي أيضاً “العشرة”. واللبنانيون الذين اكتفوا بكرتونة طعام من هنا ودواء من هناك سيعانون، بعد المرّ، الأمرّين. فماذا يحصل بالفعل على الأرض؟ وماذا تقول الجمعيات التي لا تزال نشطة؟ هل المشكلة في توقف بعض الجمعيات عن العطاء أم في الدولة غير المسؤولة أم في اللبنانيين أنفسهم الذين اصبحوا متكلين مستسلمين تكفيهم لقمة الخبز على حساب الكرامة؟

“ليبان تروك”، الذي انطلق كموقع على “السوشال ميديا” للمقايضة بين اللبنانيين في زمن “التعتير” شكّل ضرورة لكثير من اللبنانيين واللبنانيات. هو موقعٌ يتحرك اليوم من خلال صاحبة الفكرة هلا دحروج على نيل العلم والخبر والتحوّل الى جمعية. هي أطلقته يوم بدأ اللبنانيون يجوعون وبعدما “شفطت” المصارف اموالهم، وسُدّت الآفاق في وجوههم. ومنذ أيام، بينما كانت الطلبات تنزل على “ليبان تروك” مثل “الشتي” اعلنت دحروج خبراً اقلق الكثيرين: “حان وقت الإنسحاب الموقت… فنحن لسنا الدولة وإن كنا نعمل عمل الدولة… نحن وقفنا الى جانب من هو محتاج لكن البلد كله يقف ضدنا: لا بنزين، لا مازوت، لا دواء، لا ضمان… فكيف سنساعد من يطلب؟ كيف نؤمن مساعدات مفقودة؟ كيف نساعد اذا كان ما يفترض ان نساعد به غير موجود؟ لذا فلنعلنه عصياناً مدنياً مدة أسبوعين… فنحن موجوعون مظلومون مثلنا مثلكم”. فهل هذا الكلام معناه إنسحاب؟ هل ستُقدم “ليبان تروك” على ما اقدمت عليه جمعيات أخرى؟

هلا دحروج تجيب “مضى علينا عام ونصف fully active وأصبحنا نقوم بأعمال ليست أعمالنا. والأزمة تزيد ونحن غير قادرين أن نتنفس. صحيح أن نفسنَا طويل لكن ما يحدث في بلدنا يجعل الإنسان ينفجر. لذا قررنا إعلان العصيان الموقت. فالمتطوعون ما عادوا قادرين على تلبية المساعدات بسبب فقدان البنزين. الأدوية أيضاً مفقودة. الأزمات المتفاقمة أرهقتنا في بلاد فُقدت فيها أدنى الحقوق.

مؤسس الجمعية طارق كرم نشيط جداً، يعاونه نحو 250 شاباً وشابة، منذ انطلقت الأزمات وتلاحقت في لبنان. فهل سمع عن جمعيات تريد إقفال أبوابها آخر هذا الشهر؟ يجيب “هذا طبيعي ومتوقع، فبعد إنفجار بيروت “فرّخت” جمعيات كثيرة. وسيكون صعباً جداً على الأهالي الذين ما زالوا تحت وقع الأزمات أن يتعايشوا وحدهم معها. ويستطرد: أصبح صعباً تأمين التبرعات والموارد لسدّ حاجيات من هو محتاج والجمعية التي لا “تخترع” سبل صمودها ومواردها لن تتمكن من الإستمرار. نحن، في “ليبانون تومورو”، قمنا بسلسلة مبادرات مع محال تجارية ومؤسسات من أجل الإلتزام بالمساعدات ونقوم بمبادرات فردية أيضاً لذلك. والحاجات تتعدى بيروت الى كل المناطق لذا نشاطنا ينتشر في كل لبنان. كنا نقدم كرتونة طعام بقيمة محددة، فلنقل بقيمة مئة الف ليرة، لكن قالب الجبنة وحده اليوم اصبح سعره يناهز المئة ألف. الموارد تقل والحاجات تزيد. ونحن تحفظنا منذ البداية على عدد من نساعدهم كي نبقى نساعد العائلات التي تبنينا مساعدتها وذلك من دون show off. نحن نساعد اليوم 1500 عائلة اختارها سفراؤنا المنتشرون في كل لبنان. وأصعب ما يمكن الإلتزام به بالنسبة الى كثير من الجمعيات هو تدقيق الحسابات ( AUDIT). وهو ما ليس موجوداً عند كثير من الجمعيات”.

يكاد اللبنانيون يجنون “فالصبر له حدود”. ونحن نقترب من انتخابات قد تحصل وقد لا تحصل هناك من يتحدث عن جمعيات جديدة ستفتح، مقابل الجمعيات التي ستقفل، فهناك من يريد ان يستفيد “إنتخابياً” أيضاً من خلال المساعدات الإنسانية. لكن، هل هكذا سيعيش اللبنانيون الى أمد غير منظور؟ وحده العصيان يبقى السبيل المتاح لتحقيق شيء أو كل شيء وإلا على لبنان واللبنانيين والجمعيات الإنسانية السلام.