ابتداءً من اليوم، لن يكون الخيار سهلاً أمام المرضى في المستشفيات، فإما أن يدفعوا أكلاف أدويتهم التي سيُعالَجون بها، وإمّا لا علاجات. قُضي الأمر مع إعلان نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان بدء تطبيق التحذير الذي أطلقته مطلع الأسبوع الماضي، والذي يقضي بتدفيع المرضى ثمن أدوية علاجاتهم «كاش». يؤكد نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون لـ«الأخبار»، أنّ القرار «لا بدّ منه»، مع فشل المستشفيات في الوصول إلى حلّ مع المستوردين الذين يطلبون تسديد ثمن الأدوية والمستلزمات الطبية نقداً، وليس بالشيكات المصرفية كما درجت العادة سابقاً.
يجد هارون نفسه محاصراً، فأموال المستشفيات محتجزة في المصارف «ولا يمكن التصرّف بها إلا عبر الشيكات المصرفية، وهو الخيار الوحيد المتاح، بحجة أن مصرف لبنان لا يمدّها بالسيولة المطلوبة». مع ذلك، كانت المستشفيات تسيّر أمورها بالشيكات حيث أمكن مع الكثير من المستوردين، إلى أن بدأ هؤلاء الانسحاب من لعبة الشيكات، مطالبين بتحصيل أموالهم «فريش».
وفي آخر الاجتماعات المفتوحة بين نقابة أصحاب المستشفيات والمستوردين (أدوية ومستلزمات)، كان واضحاً الوصول إلى حائط مسدود نهايته كارثية: أن يدفع المرضى مباشرة ثمن الأدوية. بالنسبة إلى هارون، لم تعد لديه طروحات للحلول «باستثناء حل واحد يأتي من مكانٍ واحد هو مصرف لبنان». ولكن، بما أنه حتى اللحظة الراهنة، لا أجوبة ترد من الأخير لمعرفة كيف ستسير الأزمة، أكد هارون أن الحساب مع المرضى الأسبوع المقبل سيكون مغايراً.
وفي هذا السياق، لا توحي طريقة تعاطي مصرف لبنان مع المشتكين، ومنهم نقابة أصحاب المستشفيات، أن هناك حلاً مُرضياً، بما أنّه يمتنع عن الردّ على الاستفسارات، مديراً الظهر للكلّ، ولو كان المواطنون هم من سيتحمّلون التبعات.
عرض غير منصف
في المرة الوحيدة التي تجاوب فيها المصرف مع النقابة، عرض عليها تأمين 90 مليار ليرة شهرياً «وهو ما لا يتناسب مع مطلبنا بأن يتم تأمين 200 مليار ليرة، على الرغم من أن هذا المبلغ أيضاً لا يكفي لسدّ 20% من احتياجاتنا، بعدما بتنا ندفع قيمة كلّ شيء نقداً من المازوت إلى الرواتب إلى الأكل واليوم الدواء». ويضيف هارون إن «الرواتب وحدها تكلّف المستشفيات 300 مليار ليرة شهرياً، وما كنا نأخذه من المصارف لا يكفي لسد 15 إلى 20% من التكاليف». أضف إلى ذلك أن الدفع بالشيكات المصرفية في الآونة الأخيرة بات مكلفاً مع طلب المستوردين 20% زيادة عليها، مشيراً «إلى أن المستشفيات لم تعد قادرة على حمل تلك الزيادات على كلّ فاتورة مشتريات».
اليوم، سيحمل المرضى وزر لامبالاة حاكم مصرف لبنان، وخصوصاً أن الكلّ «ما إلو إيد عند مصرف لبنان»، يقول أحد المعنيين بالمتابعة. وهو ما لفت إليه هارون، مشيراً إلى أنه «إلى الآن لم يردنا جواب من المصرف»، وهو ما دفع النقابة إلى إعلام رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، بالأمر قبل إصدار البيان «وقد وعد ميقاتي بمتابعة الموضوع مع مصرف لبنان».
الحلّ في مصرف لبنان
لا حلّ ولا ربط إلا بمصرف لبنان، وهو اليوم الحاكم بأمره. هذا ما يعترف به الكل، من نقابة المستشفيات التي استنفدت كل الحلول معه، إلى نقابة مستوردي المستلزمات الطبية والأدوية إلى وزارة الصحة.
وفي هذا السياق، تؤكد نقيبة مستوردي المستلزمات الطبية، سلمى عاصي، هذا الأمر، مشيرة إلى أن «التعامل بالشيكات المصرفية لم يعد يجدي، إذ إن الموزّع لم يعد يعطي سلفات مالية، وليس في استطاعتنا أخذ قرض مصرفي، ولذلك لم يعد باستطاعتي أن أفتح حساب استدانة للمستشفيات». وإذ لفتت عاصي إلى «أننا سنجتمع مع نقابة أصحاب المستشفيات الإثنين المقبل»، إلا أن الطرفين يستبعدان الوصول إلى حلول، وخصوصاً مع الأخذ في الحسبان أن أزمة «الكاش» الفعلية كانت قد بدأت قبل سبعة أشهرٍ تقريباً، وقد سعت خلالها نقابة أصحاب المستشفيات، بحسب هارون، إلى العمل على حلولٍ منصفة بالتعاون مع مستوردي الأدوية والمستلزمات الطبية تفادياً للوصول إلى البيان الذي أعلنته النقابة مطلع الأسبوع الماضي. غير أن اللقاءات، بحسب هارون، لم تسفر عن أيّ نتائج تُذكر سوى تأجيل المشكلة، باعتبار أن الحلّ «الأول والأساس والأخير» هو لدى مصرف لبنان.
من جهتها، لا شيء يمكن أن تساعد به وزارة الصحة العامة، إذ إن «الحل مالي وهو لدى مصرف لبنان ووزارة المال»، يقول وزير الصحة العامة فراس أبيض، مشيراً إلى أن ما عدا ذلك تسجيل مواقف. من جهة أخرى، أعلن أبيض انتهاء العمل بعقود المستشفيات لعام 2023، بعدما انتهى العمل على عقود العام الماضي، مشيراً إلى أن الوزارة «تعمل اليوم على تدوير الاعتمادات. وبمجرد الانتهاء من ذلك نبدأ بالدفع للمستشفيات، على أن يلحق به الدفع عن عام 2023 بمجرد أن تتقدّم المستشفيات بفواتيرها ونعمل على تدقيقها».