لا شك في أن الاشكالية الاكبر التي ستواجه برنامج الحكومة الاصلاحي هي مشكلة ودائع المودعين؛ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رفض المس بودائع الناس؛ اما رئيس الحكومة السابق سعد الحريري و رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فكل منهما اعترض على طريقته وباسلوبه، علماً أن أوساطاً سياسية وتقنية تبدي اعتراضاً على تسمية برنامج الحكومة بالاصلاحي، لان هذا البرنامج يفتقد إلى مقاربة الجانب الاقتصادي ويركز فقط على الجانب المالي.
فما هو مصير البرنامج الحكومي الاصلاحي الذي قدمته حكومة الرئيس حسان دياب وبدأت بمناقشته والذي تعرض لهجوم حاد من الحليف قبل الخصم، وتحديدا ما يتصل بالـHAIRCUT الذي ورد في هذه الورقة كمضمون لكنه لم يرد كتسمية؟
ما شعر به المتابعون أن برنامج الحكومة ترنح وأوشك على السقوط خاصة عندما أعلنت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد ان رئيس الحكومة لم يكن يقصد المس بودائع الناس، الأمر الذي فهم تراجعا عن مضمون الورقة تحت وطأة النقد الذي انهال من كل حدب وصوب، لكن دياب نفسه في الرسالة التي توجه بها إلى اللبنانيين أعاد التمسك بالبرنامج الاصلاحي وأصر على المضي به، لكنه عدل في نسبة من لن تطاله اجراءات HAIRCUT. ففي موقفه الاول تحدت عن 90 في المئة من المودعين، لكن في رسالته تحدث عن 98 في المئة. فنسبة الـ90 في المئة كبار المودعين اما نسبة الـ 98 في المئة فتعني كبار كبار المودعين.
إذا نفَّذت “الهيركات” حكومة دياب ستنهي نفسها.. المسُّ بالودائع سيفجِّر عنفاً غير محسوب!
اقتطاع 50% من الودائع ودمج مصارف.. أصحاب هذه الحسابات بـ”دائرة الخطر”
ان أموال المودعين التي اعتبرها رئيس مجلس النواب نبيه بري قدس الاقداس ويرفض حزب الله من جهته المس بها، تشكل معضلة المعضلات في أي مقاربة، إذ أن الفجوة التي تحدثت عنها الورقة الحكومية وتزيد عن 60 مليار دولار، هي عمليا جزء من أموال الناس التي أودعتها في البنوك التي قامت بتسليفها بفوائد مرتفعة إلى البنك المركزي الذي قام بدوره بتحويلها إلى الدولة لانفاقها كديون عبر سندات خزينة وشهدات ايداع.
إن الحكومة التي تجد نفسها مضطرة لتأمين الـ60 مليار دولار السابقة الذكر، أعلنت صراحة في ورقتها أن ثمة حاجة إلى شطب جزء من أصل الدين الداخلي، الامر الذي يعني، بحسب الاوساط، أنها لن تعيد للبنوك جزءا من الديون المترتبة عليها والتي تقارب 33 مليار دولار بينها قرابة الـ15 مليار بالدولار وقرابة الـ17 مليار باليرة اللبنانية، وفي حال حصل ذلك، فإن المصارف لن تكون قادرة على إعادة ودائع الناس إلى أصحابها، والمعادلة نفسها تنطبق على المصرف المركزي أيضاً.
وسط ما تقدم، فإن معادلة المس بأصل الدين هي مس بالودائع وهنا تولد المعضلة الشائكة. فأمام ما تضمنته الورقة على صعيد تحويل جزء من أموال المودعين إلى أسهم في المصارف والى مساهمات في صندوق التعافي الاقتصادي الذي سيحتوي أصول الدولة الاستثمارية والمنتجة، فإن جلسات الحكومة المرتقبة ستشهد نقاشاً ضارياً، ففي الحد الادنى لا يبدو أن ثمة اعتراض على أن يطال الهيركات الفوائد أو جزءا من الفوائد لا سيما في السنوات الاخيرة التي أعقبت الهندسات المالية، أما ما يطال أصل الدين الذي يهدد الجزء الاكبر من الودائع فهو محل رفض من القوى سياسية وخبراء اقتصاديين وتقنيين.
في الأيام الاخيرة، ووفق مصادر مطلعة لـ”لبنان24″، جرت مفاتحة رئيس الحكومة بتصورات بديلة تقوم على فكرة الاستثمار الطوعي بدل الاستثمار الاجباري في صندوق التعافي والبنوك بعد إعادة هيكلتها على حد سواء، ويتم تداول هذه الفكرة من زاوية ضيق الخيارات الموجودة أمام أصحاب الودائع خاصة وأن هناك كابيتال كونترول حاد وغير مقنن يمنع على اصحاب الودائع التصرف بودائعهم، إضافة إلى ذلك الاتجاه الحتمي في تخفيض الفوائد. ومن المنطقي، بحسب المصادر نفسها ،عند مقارنة أصحاب الودائع بين الاستمرار في العجز عن التصرف بودائعهم المحجوزة، وبين تحويل هذه الودائع إلى استثمارات في صندوق التعافي او اسهم في المصارف، أن يلجأوا إلى الخيار الثاني إذا أحيطت هذه الاستثمارات بأعلى درجات معايير الشفافية والحوكمة وإذا تمكنت من اجتذاب مؤسسات دولية مدعاة للثقة.
ويمكن القول إن النقاش حول الوجهة التي ستأخذها عملية اعادة هيكلة الدين العام ومالية المصارف والبنك المركزي لا يزال مفتوحا على خيارات عدة، وثمة فروقات جوهرية بين خيار وآخر، علما ان هذا الامر يحتاج إلى وقت ليس قليلا ولن يتبلور قبل بداية شهر رمضان.
المصدر: خاص “لبنان 24”