المصارف اللبنانية تخرج من قبرص.. و”المركزي” يتكتّم

فشلت المصارف اللبنانية في الصمود أمام ضغط الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية، فخرجت تداعياتها عن إطار الحدود اللبنانية. وخوفاً من انعكاسها على النظم المصرفية في دول أخرى، ومنها قبرص، اتّخذ المصرف المركزي القبرصي قراراً يقضي بتحويل الفروع اللبنانية -إلى المركزي- مبالغ مالية توازي حجم ودائعها، وذلك كإجراء يحمي المودعين من أي تعثّر قد يصيب المصارف اللبنانية. علماً أن هذا القرار المتّخذ في آذار 2020، اقتصر على فروع المصارف اللبنانية في الجزيرة، ولم يُعَمَّم على باقي المصارف غير اللبنانية.
الجديد في الأمر، أن سبعة مصارف من أصل تسعة، تأخّرت في إعلان الاستسلام، فيما أيقن مصرفان فشلهما منذ بداية الطريق. على أن مصرف لبنان لم يعلن رسمياً خروج المصارف اللبنانية من قبرص.

تفاصيل القرار القبرصي
حسب وكالة الأنباء القبرصية، قررت المصارف اللبنانية إغلاق فروعها في الجزيرة “بقرار صدر يوم الاثنين (الماضي) عن مصرف لبنان المركزي. وقد أكّدت مصادر في البنك المركزي القبرصي هذا القرار للوكالة، بناءً على تأكيدات من المركزي اللبناني”. والقرار القبرصي أتى كردّ فعل احترازي على أي آثار محتملة قد تصيب القطاع المصرفي القبرصي في حال تعثّرت الفروع اللبنانية عن سداد مستحقات مودعيها. فالمركزي القبرصي “يراقب الوضع منذ عام 2019 عندما بدأ الوضع في لبنان بالتدهور”. وذكّرت الوكالة بأن القرار ناجم عن “الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تعصف بلبنان حالياً، والتي أدّت إلى تراجع الناتج المحلّي في العام 2021 إلى نحو 20.5 مليار دولار فيما كان في العام 2018 نحو 55 مليار دولار”.

وأشار تقرير صحافي نشر في موقع “سايبروس مايل” Cyprus Mail إلى أن المصرف المركزي القبرصي فرض على الفروع اللبنانية، في نهاية العام 2019، تحويل جزءٍ من قيمة مدّخراتها التي من شانها أن تكون مؤهّلة لنظام ضمان الودائع، لكن مع زيادة حجم الأزمة في لبنان، طلب المركزي القبرصي تحويل قيمة موازية تماماً لحجم الودائع، لتحصين نظام ضمان الودائع.
ورأى المركزي القبرصي أنه بهذه الودائع سيكون هناك سيولة كافية لدفع الودائع المضمونة، أي تلك التي تقلّ عن 100 ألف يورو، ما سيسهم في حماية النظام المصرفي المحلي. على أنه في آذار من العام الماضي، طلب المركزي مزيداً من السيولة حتى يتمكّن من تغطية 50 بالمئة من الودائع غير المضمونة، أي تلك التي تتجاوز 100 ألف يورو.

عدم الصمود
أمام الطلب المتزايد على السيولة، لم تستطع فروع المصارف اللبنانية الصمود. وأولى الانعكاسات، برزت عبر “انخفاض الودائع في فروع البنوك اللبنانية من 650 مليون يورو في نهاية عام 2019 إلى 400 مليون يورو بعد 12 شهراً”. ومع ذلك، أكّد المركزي القبرصي أن الأزمة لا تؤثّر على النظام المصرفي في الجزيرة “حتى وإن حصل انهيار للنظام المصرفي اللبناني”. ولفتت وكالة الأنباء المركزية النظر إلى أن “الغالبية العظمى للودائع والقروض تخص غير المقيمين في قبرص، ومع ذلك، قبلت فروع البنوك اللبنانية الودائع وقدمت القروض بشكل أساسي لغير المقيمين”.
فقدان القدرة على الصمود أتى كـ”كلفة للتأخّر والمماطلة في تطبيق الاصلاحات المطلوبة” وفق ما تراه مصادر مصرفية لبنانية. ومن الطبيعي في هذه الحالة، أن يفشل مصرف لبنان في التدخّل لدى المركزي القبرصي لتفادي القرارات ونتائجها السلبية. وتؤكّد المصادر في حديث لـ”المدن”، أن “المصارف اللبنانية لم تتبلّغ حتى اللحظة أي قرار رسمي من مصرف لبنان يتعلّق بهذه القضية، إلاّ أن إقفال الفروع اللبنانية بات أمراً محسوماً”.

وتميّز المصادر بين الفروع المباشرة للمصارف الأم واستثمارات تلك المصارف في مصارف أخرى أو حتى امتلاكها لمصارف. “فالقرار القبرصي يتعلّق حصراً بالفروع المباشرة للمصارف الأم. فهناك مصارف لبنانية تستثمر في مصارف أجنبية في قبرص، وليست فرعاً لأي مصرف لبناني أم”.
سنتان ونصف السنة في مسار الأزمة، لم تتّخذ السلطات اللبنانية قراراً إيجابياً واحداً ينقذ اللبنانيين والمودعين والقطاعات الاقتصادية ومن ضمنها القطاع المصرفي. والمركزي القبرصي “عندما اتخذ قراره التفت إلى مصلحة القطاع المصرفي هناك، بغضّ النظر عن رأي مصرف لبنان أو المصارف اللبنانية، فما يهمّه هو حماية النظام المصرفي القبرصي”.

تسعة مصارف ستودّع الجزيرة بقرار نهائي، هي بنك بيبلوس، لبنان والمهجر، البحر المتوسط، الاعتماد اللبناني، بيمو، بيروت والبلاد العربية، أنتركونتيننتال بنك، بنك بيروت وبنك لبنان والخليج. ويأتي القرار بعد إقفال المصارف اللبنانية عدداً من فروعها في أكثر من دولة، ومنها إقفال مصرفيّ فرنسبنك والاعتماد اللبناني، فروعهما في العراق، بعد موافقة المركزي العراقي على طلب الإقفال في حزيران 2020 “شريطة الإيفاء بجميع الالتزامات تجاه المودعين والعملاء والموظفين”. وفي مطلع العام 2021 باع بنك عودة فرعه في مصر بهدف زيادة السيولة للالتزام بقرارات مصرف لبنان المتعلقة بزيادة رأسمال المصارف (التعميم 154). وفي شهر آذار من العام نفسه، عملت بعض المصارف على إقفال عدد من فروعها في مختلف المناطق اللبنانية، تنفيذاً لاعادة هيكلة ذاتية للقطاع.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةالمصارف تحتجز أموال القطاع الصحي.. والمستشفيات تحتجز المرضى!
المقالة القادمةأسعار الاتّصالات الجديدة: التشغيل على حساب المستهلك!