أخذ موضوع الفوائد التي تفرضها المصارف على القروض التجارية حيّزاً من النقاش بين النواب خلال جلسة اقرار الموازنة، حيث اعتبر غالبيتهم انّ خفض الفوائد على الودائع لم ينعكس كما يجب على القروض غير المدعومة، والتي بلغت فوائدها مستويات قياسية، ما ادّى الى ضرب الاقتصاد وشلّه. فمتى سينعكس خفض الفوائد على الودائع خفضاً في فوائد القروض التجارية؟
في 4 كانون الاول 2019 أصدر مصرف لبنان تعميماً رقم 536 خفّض بموجبه معدل الفائدة الدائنة على الودائع المصرفية الى 5 في المئة على الودائع بالعملات الاجنبية، والى 8.5 في المئة على الودائع بالليرة اللبنانية، بعدما كانت الفوائد على الودائع بلغت مستويات قياسية عند 17 في المئة على الودائع بالعملات الاجنبية، إن كانت مودعة في المصارف أو ايداعات المصارف لدى مصرف لبنان. في المقابل، طلب التعميم ان تعكس جميعة المصارف هذا التخفيض في احتساب معدلات الفوائد المرجعية لسوق بيروت BRR، والتي على اساسها يتمّ تحديد فوائد القروض المصرفية بعد زيادة 3 نقاط مئوية كحدٍ اقصى من قِبل المصارف تماشياً مع نوعية مخاطر الائتمان والربحية بالنسبة للتسليفات والقروض بالدولار بالليرة اللبنانية. وبالتالي كان يجب ان ينعكس هذا التخفيض حكماً على معدلات الفوائد المدينة. ففي 3 كانون الثاني قامت جمعية المصارف بتعديل معدّل الفائدة المرجعية في سوق بيروت لتصبح 9.35 في المئة للدولار الاميركي و 12.45 في المئة لليرة اللبنانية.
وفي 17 كانون الثاني 2020 أعلنت جمعية المصارف مجددًا انّها خفضت معدل الفائدة المرجعية في سوق بيروت للدولار إلى 8.5 في المئة ومعدل الفائدة لليرة اللبنانية إلى 11.5 في المئة.
ورغم انّ هذين الخفضين غير كافيين لتحفيز النشاط الاقتصادي وتخفيف العبء عن المالية العامة للبلاد، فإنّهما لم ينعكسا بعد على القروض المصرفية للأفراد والشركات، التي ما زالت تدفع الفوائد المرتفعة ذاتها مقابل خفض الفوائد على ودائعها ودفع نصف قيمتها بالليرة اللبنانية، بالاضافة الى انّ المصارف لا تقبل ان تسدّد الشركات جزءاً من حساباتها المكشوفة بالعملات الاجنبية (overdraft accounts) بالليرة اللبنانية كما هي الحال مع قروض الافراد، بل يشترط بعضها من أجل قبول العملة المحلية، تسديد كامل الاستحقاقات واغلاق الحساب.
في المقابل، فضّل بعض الزبائن المدينين، بعد الاحداث الاخيرة، السحب من حساباتهم الدائنة لتسديد ديونهم، لتتقلّص الديون المصرفية على القطاع الخاص الى 49.8 مليار دولار في كانون الاول 2019، بانخفاض قدره 9,6 مليارات دولار خلال عام.
وفيما أقرّ مجلس النواب خلال جلسته التشريعية الاخيرة وضمن موازنة 2020، قانوناً يعطي مهلة 6 أشهر لاصحاب القروض المدعومة والمتعثرة يعفيهم من الغرامات والملاحقات القانونية، إلّا انّ القروض الاخرى للافراد والشركات بقيت منسيّة. علماً انّه دار نقاش بين النواب خلال الجلسة، حول ضرورة ان يشمل هذا القانون القروض غير المدعومة ايضاً «بسبب عمليات التعسّف من قِبل المصارف في موضوع الفوائد على القروض، حيث انّ خفض الفوائد على الودائع بالدولار الى 4 في المئة تقريباً بعد حسم قيمة تسديد نصف الفوائد بالليرة، ما زال يقابله فرض فوائد تصل الى 22 في المئة على الدولار و27 في المئة على الليرة على قروض الشركات في بعض المصارف»، وفقاً لما أكّده النائب ياسين جابر لـ«الجمهورية». وفيما اشار الى انّ هناك نيّة لدى معظم النواب لإقرار هذا القانون، قال انّه تمّ تأجيل النقاش الى وقت لاحق.
وشدّد جابر على انّ المصارف لا يمكن ان تستمرّ بعد «الطوفان»، بهذا النهج، لانّ الاقتصاد اللبناني تضرّر بشكل كبير، ليس في هذه الفترة فقط، ولكن منذ البدء بالهندسات المالية وتعثر الظروف السياسية في العام 2016 ولغاية اليوم.
ولفت الى انّ جمعية المصارف مطالبة بمزيد من الخفض بمعدل الفائدة المرجعية في سوق بيروت، على ان يكون هناك انتظام بين المصارف والتزام تام بهذا المعدل. كما اعتبر انّه يجب ايضاً خفض الفوائد على الودائع بالدولار الى اقلّ من 5% وبالليرة أيضاً، «لأنّه في نهاية المطاف، عندما يواجه أي بلد في العالم أزمة من النوع التي يواجهها لبنان حالياً، يلجأ فوراً الى خفض الفوائد. وهذا ما قامت به دول أوروبية التي ما زال معدل فوائدها صفر في المئة».
تجديد ملفات الزبائن
في هذا السياق، أكّد الخبير المصرفي سمير طويلة لـ«الجمهورية»، انّ معدل الفائدة المرجعية في سوق بيروت للدولار كان في تشرين الاول 2019 قبل اندلاع الثورة، عند 10.39 في المئة ولليرة اللبنانية 13,49 في المئة. وقد خُفّض في كانون الثاني الماضي الى 8,5 و11,5 في المئة على التوالي. موضحاً انّ هذا الخفض سيبدأ بالانعكاس على فوائد القروض المصرفية تباعاً في الايام المقبلة.
وشرح انّ المصارف تقوم بتجديد ملفات زبائنها، بعد ان اعتبرت في فترة ما بعد اقفال المصارف، كافة القروض مستحقة، وبالتالي فإنّ لجان الائتمان في كافة المصارف تعيد النظر بالملفات وتقيّم الزبائن وفقاً لوضعهم الجديد، من اجل تطبيق الفوائد المنخفضة على كافة القروض التجارية.
وقال طويلة، انّ الخفض سينعكس بنسبة «لا بأس بها» على القروض التجارية في الفترة المقبلة، أي بالنسبة ذاتها التي انخفض فيها معدل الفائدة المرجعية في سوق بيروت (3%). لافتاً على سبيل المثال، الى انّ الزبائن المصنّفين Prime أي الذين يتمتعون بتسهيلات متنوعة كتسهيلات صندوق واعتمادات مستندية وكتب ضمان، وهم في غالبيتهم كبار التجار، سيتمّ خفض فوائد قروضهم الى حوالى 10 في المئة (BRR + %1.5). أما الزبائن الآخرون فيتم احتساب فوائدهم على اساس BRR + %2.5 أو BRR + %3.