المصارف تبدع مجدّداً: بطاقات مصرفية بدل المساعدة المرضية

المصارف أكبر من الدولة. باتت هذه المقولة قدَراً واقعاً، مع التعسّف الذي تمارسه بحق المواطنين، وتحديداً الموظفين منهم. منذ بداية الأزمة، لا تتوانى هذه السلطة عن اقتناص الفرص الكفيلة بالاستيلاء على حقوق الموظفين وتعبهم. وفي كل مرّة، تبتكر طرقاً جديدة لحرمانهم من هذه الحقوق، من دون أن يملك أحد القدرة على المواجهة.

هذه المصارف قرّرت سابقاً، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، أن تقسّط للموظفين رواتبهم، فتعطيهم إياها على دفعات أسبوعية قد ينتهي معها الشهر ولا يُصرف المعاش كله. أما آخر البدع التي تلجأ إليها المصارف اليوم، فهو ما تقرّره بالنسبة إلى المساعدات المرضية للمنتسبين إلى تعاونية موظفي الدولة، إذ إنها ارتأت، بلا استشارة أحد، أن تستبدل بدلات المساعدة المرضية، التي يفترض أن يقبضها الموظفون «كاش» ببطاقات مصرفية لا تنفع اليوم سوى للتبضّع من بعض محال السوبر ماركت. معظم المحال تفضّل اليوم أن تتقاضى من زبائنها أموالاً طازجة بدلاً من البطاقات المصرفية، فيما أبقت أخرى على الدفع بتلك البطاقات بنصف القيمة، أي بـ 50% من المشتريات، على أن يدفع الباقي «فريش». وما عدا محال السوبر ماركت، لم تعد البطاقة المصرفية تعود بالنفع، حتى باتت أشبه بقصاصة ورق بلا قيمة.

شكاوى لتعاونية الموظفين

في بداية الأمر، ظنّ بعض الموظفين، الذين استبدلت المصارف التي يتعاملون معها مساعداتهم المرضية ببطاقات مصرفية، أن هناك سوء فهم في الأمر، إلا أنهم فهموا أنه بات أمراً واقعاً بعد ورود أكثر من شكوى إلى تعاونية موظفي الدولة تفيد بتحويل أموالهم إلى بطاقات مصرفية. وعلى الرغم من أن بعض المصارف لم تتبع هذا الإجراء، إلا أنّ ما يحصل «بات شائعاً في مصارف كثيرة، حيث يبقون على الأموال في الحسابات ويعطونهم بدلاً منها بطاقة مصرفية»، يقول المدير العام لتعاونية موظفي الدولة، فوزي خميس، مشيراً إلى أن التعاونية «تلقت عدداً لا بأس به من الشكاوى بخصوص هذا الأمر». وبموازاة ذلك، يضيف خميس «لا تصرف مصارف أخرى بدل المساعدة المرضية نهائياً، فيما تعمد مصارف أخرى إلى الاستنسابية، كأن تعطي موظفاً ولا تعطي آخر، في مقابل عدد قليل يصرف الأموال».

الإجابة عند مصرف لبنان؟

فوجئ المعنيون بالقرارات الاعتباطية للمصارف، إلا أن التعاونية لا تملك القدرة على المواجهة فـ«نحن لا نملك أي سلطة على المصارف»، يقول خميس. ولذلك، قامت التعاونية بمراجعة مصرف لبنان للاستفسار منه عن السبب، وخصوصاً أنه المعني بذلك، كون التعاونية تحوّل الأموال إلى حساباتها في مصرف لبنان، على أن يقوم الأخير بتوزيعها على المصارف وفق «كوتا» محددة لكل منها. وفي هذا السياق، يلفت خميس إلى أن جواب المصرف غير الرسمي كان بأن هناك «بدائل محددة يوزعونها على المصارف»، وإن كانت التعاونية لا تزال تنتظر جواباً رسمياً.

أما المصارف الممتنعة عن إعطاء الموظفين البدلات المالية عن المساعدات، فلها أجوبتها الخاصة «لقد أجابت عندما سئلت من الموظفين بأن مصرف لبنان لا يعطيها سيولة كافية»، يقول أحد الموظفين

إجراء غير قانوني

خميس أرسل كتاباً إلى رئيس مجلس الوزراء، نجيب ميقاتي، ووزير المالية، يوسف الخليل، مشيراً فيه إلى أن «هذه المساعدة بالنسبة إلى الموظف هي أهم من الراتب». ولأنها كذلك، لا يحقّ للمصارف أن تقرّر استبدالها ببطاقة مصرفية للشراء من محال السمانة! يقول خميس.

بدوره، يشير عساف زيدان، عضو الهيئة الإدارية سابقاً في رابطة الثانوي والمعني بمتابعة ملفات تعاونية موظفي الدولة فيها، إلى أنه سمع «بالتواتر عن مواجهة الموظفين لهذه المشكلة، وقد تواصلنا مع المعنيين لحلحلة هذا الأمر وقد وعدنا بإيجاد حل».

لا يجد خميس توصيفاً يمكن أن يلائم ما تقوم به المصارف سوى القول بأنها «تشبيحة كبيرة»، ولا يجد مبرّراً لهذا الأمر، متسائلاً «كيف يمكن أن تقرر المصارف أن تعطي بطاقة مصرفية بدل أموال يحتاج إليها الموظف لشراء أدوية؟ فهذه الأموال هي حق أدويته وليس من حقّ أحد أن يتصرّف بها وفق ما يريد». ويعتبر هذه الخطوة «غير قانونية»، ولكن لا يبدو أن باليد حيلة في قلب «تلك الفوضى».

مصدرجريدة الأخبار - راجانا حمية
المادة السابقةإقرار برنامج التغذية بالكهرباء لخمسة أشهر
المقالة القادمةالعقود الحرّة والإيجارات القديمة: قانونان لا يحميان لا المالك ولا المستأجر