أسرّ المجلس المركزي لمصرف لبنان اول أمس إلى اللبنانيين، قراره إدخال تعديلات على التعميمَين السابقَين 166 و158، بدءاً من أول آذار المقبل، تقضي بزيادة المبلغ الشهري المخصّص للمستفيدين من التعميم 166 إلى 250 دولاراً شهرياً بدل 150 دولاراً، وللمستفيدين من التعميم 158 إلى 500 دولار شهرياً بدل 300 أو 400 دولار.
هذا القرار أراح المستفيدين من التعميمَين من دون أن يُرهِق ميزانية البنك المركزي لكون هذه الأموال ستُسدَّد من حسابات المصارف المودَعة لديه بالدولار الأميركي الـ”فريش“، وبالتالي لا ضغطَ نقدياً في هذه الخطوة.
كما أن المصارف تلقفت هذا القرار بانسيابية تامة من دون أي إشكال في تطبيقه، وهي قد تمرّست على تعاميم مصرف لبنان برئاسة الحاكم بالإنابة وسيم منصوري الذي أنشأ علاقة متينة مع القطاع المصرفي مبنيّة على التعاون الوثيق لتمرير هذه المرحلة المالية والنقدية الأكثر تعقيداً في تاريخ لبنان.
في حين انشغلت المصارف في المقلب الآخر، بتنبيهٍ قانوني وَرَدَها في الأيام الأخيرة بضرورة المطالبة بحقوقها من سندات الـ”يوروبوندز” بعد مرور خمس سنوات على إعلان حكومة الرئيس حسان دياب تعثّر الدولة اللبنانية عن تسديد ديونها من دون التفاوض مع حاملي تلك السندات، ومن دون إصدار قرار بتمديد مُهَل مرور الزمن.
في 9 آذار المقبل، تكون مرّت خمس سنوات على تخلّف الدولة عن سداد سندات الـ”يوروبوندز”، ما يعني خسارة الدائنين ومنهم المصارف، لحقوقهم بفوائد السندات، إذا لم يباشروا بإجراءات المطالبة القانونية بهذه الفوائد.
وقبل حلول الموعد، قرّرت جمعية المصارف تقديم دعوى على الدولة اللبنانية، على خلفيّة امتناعها عن تسديد تلك السندات، في محاولة لحفظ حقوقها وبالتالي حقوق المودِعين الذين سيستفيدون حتماً من أي قرش تحصّله المصارف في هذا الملف، بدل أن تذهب هدراً مع مرور الزمن.
…”على رغم أن سندات الـ”يوروبوندز” لا تخضع للقانون اللبناني بل الأجنبي ولا سيما القانون الأميركي، طالبت المصارف منذ العام 2020 ولا تزال بتمديد المُهَل بعد 5 سنوات من إعلان الدولة اللبنانية تعثّرها، وبالتالي بعد هذه الفترة الطويلة إن لم يطالب حاملو السندات بحقوقهم، سيفقدون حقّهم في المطالبة مع مرور الزمن. من هنا، إذا تم تمديد مُهَل مرور الزمن، لن يُضطر حاملو هذه السندات إلى اتخاذ إجراءات قانونية بسبب نفاد المُهَل” بحسب مصدر مالي متابع.
ويكشف عبر “المركزية” أن “عدداً من المحامين نبّه جمعية المصارف منذ نحو سنة، بضرورة المطالبة بحقوقها من الـ”يوروبوندز”، إذ كان الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي مقيّداً آنذاك بصلاحيات تصريف أعمال، ويحتاج أي قرار سيصدر عنه في هذا الشأن، إلى موافقة مجلس النواب وهكذا دواليك… وبالتالي جاءت الخطوة ناقصة تفتقد إلى الجدّية أمام المراجع القانونية الأجنبية، فبقيت الأمور ضائعة حتى اليوم”.
أمام هذا الواقع، يُضيف المصدر: يبقى أمام المصارف التحرّك قبل حلول موعد 9 آذار 2025 وإلا يسقط حقها في المطالبة بمستحقاتها أولاً وبحقوق حاملي سندات الـ”يوروبوندز” التي أودَعوعا في المصارف وبالتالي باتت الأخيرة مولَجة بحماية مصالحهم في هذا المجال.
ويُقرّ بأن “رفع الدعوى ضد الدولة “لا يقدّم ولا يؤخّر”، بل يحفظ الحقوق إن لم تمدّد الدولة المُهَل، ويبدو أن المصارف تعوِّل على دراية وزير المال ياسين جابر لهذا الملف وفهمه المعمَّق لتفاصيله وكامل حيثياته، وهو قد شدد على وجوب عودة لبنان إلى طاولة التفاوض مع حاملي سندات الـ”يوروبوندز” وتعهّد باتخاذ التدبير اللازم لتمديد المُهَل حفاظاً على حقوقهم”.
ومنعاً للالتباس، يوضح المصدر أن “المصارف أرادات في رفعها الدعوى ضد الدولة اللبنانية، أن تحفظ حقوقها من السندات لعلّ الدولة لم تستطع تمديد المُهَل لأي سبب قد يطرأ في الأيام المقبلة يعوق هذه الخطوة! وبالتالي ليس الهدف مقاضاة الدولة بقدر ما هو المطالبة بالحقوق، ليس حقوق المصارف وحسب إنما أيضاً حقوق المودِعين، إذ إن تحصيل حقوق المصارف من الـ”يوروبوندز” يمكّنها من تسديد أموال عدد كبير من المودِعين”.
…منذ خمس سنوات حتى اليوم عجزت الدولة اللبنانية عن تمديد مُهَل مرور الزمن وتردّدت في التفاوض مع حملي الـ”يوروبوندز” ، فهل ستنجح في ذلك اليوم قبل أن يفاجئها أي تطوّر يعوقها عن هذه المبادرة، خصوصاً أن أمامها تحديات كثيرة ومطبّات كبيرة على مختلف الجبهات؟!