إزدحمت نهاية الأسبوع الماضي بالأخبار المصرفية. فبعد البيان الذي صدر عقب إجتماع حاكم “المصرف المركزي” رياض سلامة مع “لجنة الرقابة على المصارف” و”جمعية المصارف”، أعلنت الأخيرة تعديل معدّل الفائدة المرجعية في سوق بيروت للدولار الأميركي. الإجراء الذي أتى بعد طول انتظار ويعني تخفيض الفوائد على القروض، لا شبيه له إلا القول “تمخّض الجبل فولّد فأراً”.
بعد نحو شهر من صدور التعميم 536 قرّرت “المصارف”، بصفتها “الخصم والحكم”، تعديل الفوائد على القروض، إستناداً إلى BRR أو ما يعرف بـ “مؤشر فائدة بيروت” والذي يحتسب على أساس المتوسط المثقّل لكلفة رأس المال “WEIGHTED AVERAGE OF THE COST OF CAPITAL”، وعليه أصبح معدّل الفائدة المرجعية في سوق بيروت 9.35 في المئة على الدولار و12.45 في المئة على الليرة اللبنانية.
أقل ما يقال عن هذا “التخفيض” أنه غير عادل، إن لم نقل ظالماً، ويزيد من هيمنة المصارف، وتسلّطها من دون حسيب أو رقيب على الأفراد والمؤسسات. “فمن بعد تخفيض معدل الفائدة بالدولار على القروض إلى 9.35 في المئة، لا يزال الفرق بينها وبين الفائدة على الودائع حوالى 7 نقاط مئوية (حددت الفائدة على الودائع بالدولار بـ 5 في المئة، يدفع نصفها بالدولار، أي 2.5 في المئة، ونصفها بالليرة اللبنانية)، وإذا أضفنا مستوى المخاطر “BRR + 3” على فوائد التسليف، يصبح الفرق في الفائدة بين الإيداع والتسليف 10 نقاط مئوية. فأي استثمار “Business” ذاك الذي يعطيك هذا الربح وانت جالس في المنزل”، يقول المستشار المالي د.غسان الشماس. “تخفيض الفوائد على القروض بـ 104 نقطة أساس”، كما جاء في بيان جمعية المصارف، لا يعدو كونه مبالغة في التعبير لا تصرف في مكان، فالـ 104 نقطة أساس ما هي إلا إنخفاض الفوائد بمعدل 1.4 في المئة فقط، إذ إن كل مئة نقطة أساس هو 1 في المئة. وعلى هذا الأساس، فإن “الفرق في الفوائد على الإقراض والإقتراض لن يتقلص إلى معدلاته الطبيعية، التي لا تتجاوز 2.5 في المئة، إلا بعد 12 أو 13 شهراً من الآن، وعندها يكون قد فات الأوان”، يضيف شماس.
طريقة الإحتساب
في الوقت الذي حدد فيه “المصرف المركزي” الفوائد على الودائع، انفردت “جمعية المصارف” بتحديد الفوائد على القروض من دون أي شفافية أو إفصاح عن القواعد والمعايير المعتمدة. فلم يعرف ما هو الأساس الذي يحتسب على أساسه الـ BRR، ولا معدل التثقيل على بعض أنواع الودائع. شماس يضع ما تقوم به المصارف في خانة “التعدّي”، فهي “تحتجز أموال المودعين وتمارس “كابيتال كونترول” إعتباطياً واستنسابياً بين الفروع وعلى أساس الزبائن”.
وقف “المهزلة”
المسار الإنحداري الذي تسير عليه المصارف لا يهدد علاقتها بزبائنها فحسب، إنما بفقدان ثقة الداخل والخارج بها وتحولها إلى ما يشبه “كارتيل” يضرب الأسس والمعايير للعمل المصرفي. وبحسب شماس فإنه “من المفروض بمصرف لبنان أن يمسك “الرسن” ويلجم المصارف، وأن يأخذ المبادرة لتنفيذ سلسلة إصلاحات بنيوية تبدأ بـ:
– كفّ يد جمعية المصارف عن تحديد فوائد الإقتراض، من خلال إصدار تعميم ملحق بـ 536، الذي نص على خفض الفوائد المدينة، أو مستقل عنه، ويعطي المصارف فترة شهر أو اثنين لتطبيقه.
– تحديد الفوائد على القروض بحدود 7.5 في المئة، وهو المعدل المقبول في حال سلّمنا جدلاً ان معدل الفوائد على الودائع بالعملة الأجنبية هو 5 في المئة.
– إعطاء الحق للمقترضين بدفع أقساط قروضهم المقومة بالدولار الأميركي مناصفة بين الدولار والليرة، على غرار ما تفعله بفوائد الودائع.
– إجبار المصارف على “الرسملة” من أموالها الخاصة الموجودة في الخارج، وليس من أموال المودعين كما يجري.
فالمصارف بحسب شماس عليها أن تتحمل مسؤولية مغامراتها بودائع الزبائن من خلال توظيفها في تمويل الدولة اللبنانية من دون إدارة حكيمة، وهي من لهثت وراء “هندسات” مصرف لبنان واستجلبت ودائع الدولار مقابل الفوائد المرتفعة.
الأصول المصرفية
حالة الفوضى التي يعيشها لبنان على المستوى المالي والمصرفي فتحت شهية أرباب القطاع على خرق المعايير الدولية التي كان لبنان سبّاقاً في الإلتزام بها وتطبيقها. ولعل أخطر هذه الخروقات متعلق بنية مصرف لبنان “تعليق العمل بتطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية “IFRS9” بسبب الظروف الاستثنائية، وإعداد لجنة الرقابة على المصارف مشروعاً بهذا الإطار سيصدر قريباً”، حسبما رشح عن الإجتماع الأخير بين “المركزي” وجمعية المصارف. هذا المعيار فرضته معاهدة “بازل” وهو ينص على انه عندما ترتفع المخاطر في عمليات الإقراض يجري تثقيل المخاطر. هذا التوجه الخطير يعني، بحسب شماس، “توقف لبنان عن الإهتمام بالامتثال للمعايير الدولية خصوصاً بعدما جرى تخفيض التصنيفات ودخولنا بما يعرف بـ SD Selectiv default وهو ما يعني إفلات زمام الامور”.