طالعتنا جمعية المصارف بإجراءات تعسفية جديدة منذ أوائل العام 2022 وربما قبل ذلك بأنها أعطت تعليمات للمصارف لمزيد من إحكام السيطرة أيضاً على حركة السيولة بالليرات اللبنانية، خاصة لدى تحويلها من عملة الدولار الأميركي وفقاً لسعر الصرف المصرفي بمبلغ/ 8000 / ل.ل. لتبقيها بعيدة عن متناول أيادي المودعين أصحاب الحق المطلق بتحريك ودائعهم، بحيث لجأت المصارف تعدياً ومصادرةً لحقوق حاملي دفاتر الشيكات بأنها تعمدت اصدار أوراقها مشطوبة سلفاً crossed check(s)، وقد خلقت هذه الإجراءات مزيداً من إضعاف القدرة الشرائية والتداولية عند المواطن بسبب تمنع الموردين والجهات المعنية بقبول هذه الشيكات المشطوبة والتداول بها، وقد سببت هذه التدابير غير القانونية بتدني قدرة المواطن اي (المودع) على تلبية احتياجاته الحياتية منها تسديد (أقساط المدارس، الإستشفاء، تصليح وصيانة السيارات وغيرها من شراء الأدوات المنزلية الخ…)، إضافة إلى خلق تعقيدات بالتعاطي اليومي بين المواطنين نظراً لشح السيولة بين ايديهم، ولا شك أن هذه الإجراءات التعسفية الظالمة بكاملها مخالفة لفتح عقود الحسابات الجارية لدى المصارف وقانون التجارة وقانون النقد والتسليف، وإن هذه المخالفات المتعلقة بإصدار دفاتر شيكات اوراقها مسطرة اي مشطوبة سلفاً حين تسليمها للمودع كانت من الاسباب الرئيسية لوجود المشاكل الإجتماعية المتفاقمة.
مخالفات المصارف
لذلك نعرض المخالفات القانونية التي ترتكبها المصارف ولا من حسيب ولا رقيب عليها أو من يردع تصرفاتها:
أولاً، لا يحق للمصرف حين اصدار دفاتر الشيكات بتسطيرها سلفاً بذكر عبارة «crossed check» شيكات مشطوبة لأن ذلك يعتبر مصادرة لحقوق المودع المحصورة به. باعتبار أن المادة 433 من قانون التجارة منحته دون غيره صلاحية القيام بشطب الشيك وفقاً للنص التالي: «للساحب أو لحامل الشيك أن يشطبه، ويتم الشطب بوضع خطين متوازيين على ظهر الشيك ويكون الشطب عاماً او خاصاً «. وبالمقابل نصّ قانون التجارة على أنه «لا يجوز للمسحوب عليه، أي البنك ان يدفع شيكاً مشطوباً»، لان هذا يعني أن المصرف يقوم مقام المودع ويتصرف نيابة عنه دون توكيل. ما يمثل مصادرة لحقوق المودع، وخرقاً لقانون التجارة من أجل أن يتمكن المصرف بإلزام المستفيد بإيداع الشيك المشطوب في حسابه، مع إمكانية حجز مبلغ الشيك المشطوب لفترة من الزمن، إضافة إلى عدم تسديده نقداً أو بالتدريج كما هو حاصل حالياً لدى سحب المودعين اموالهم.
ثانياً: وباعتبار ان الشيك هو أداة إيفاء مباشرة استناداً الى نص الفقرة الرابعة من المادة 434 – قانون التجارة- والتي أكدت على مسؤولية المسحوب عليه (البنك) عن الضرر حين أوجبت ما يلي: «إن المسحوب عليه أو الصيرفي الذي يخالف الأحكام السابقة يكون مسؤولاً عن الضرر بقدر قيمة الشيك».
ثالثاً: وبما أن حق شطب الشيك سلفاً من قبل المصرف يعتبر لغواً باعتبار أن الشيك هو أداة إيفاء فوري، وأن الساحب دون غيره يملك الحق لتسطير الشيك بصورة خاصة أو عامة، لذا فان اصدار دفتر الشيكات مشطوباً سلفاً من قبل البنك يعتبر مخالفة قانونية وفقاً لما نصت عليه المادة 425 من قانون التجارة التي تقول: «إن الشيك قابل للإيفاء لدى الإطلاع وكل شرط مخالف يعد لغواً. والشيك الذي يقدم للإيفاء قبل اليوم المعين كتاريخ للاصدار هو قابل للايفاء في يوم العرض».
وإن ما ينطبق على الشيك الصادر في لبنان القابل للإيفاء في مهلة ثمانية أيام سنداً لنص المادة 426 من قانون التجارة أيضاً ينطبق على الشيك الذي يصدر في خارج لبنان، ويكون قابلاً للإيفاء فيه فيجب عرضه في مهلة عشرين يوماً، إذا كان محل إصداره في بلاد متاخمة للبنان أو في سوريا أو في أوروبا أو في بلاد واقعة على شاطئ البحر المتوسط. وتكون المهلة سبعين يوماً إذا كان الشيك صادراً عن اي بلد آخر.
وبما أن المادة 428 من قانون التجارة تلزم المسحوب عليه (البنك) أن يدفع حتى بعد إنتهاء مهلة العرض، لذلك، فإن كافة تلك الإجراءات المتخذة من قبل جمعية المصارف ومن يطبقها من قبل المصارف بشأن سياسة إصدار دفاتر الشيكات المشطوبة سلفاً حين تسليمها إلى المودعين تعتبر مخالفة قانونية، ولغواً وممارسة لا مبرر لها للأسباب التالية:
– إن المصارف تكون قد طبقت إجراءات «hair cut»من تلقاء ذاتها بنسبة حوالى 73% واقتطعت قصرياً من كل مبلغ مودع بالدولار الاميركي لدى تحويله إلى ليرات لبنانية.
– التمادي بخنق التداول بالليرة اللبنانية عبر منع سحبها من المصارف نقداً إضافة الى تذويب الوديعة بسعر الصرف المصرفي، قد أدت إلى كارثة إجتماعية وتشريد التلامذة من مدارسهم والجامعيين من جامعاتهم وإنعدام القدرة على الاستشفاء وتدني تلبية إحتياجات المواطن الحياتية، نظراً لرفض المؤسسات الخاصة والتجار والجامعات التداول بالشيكات المشطوبة.
– طالت هذه الاجراءات حسابات الادخار التي تمّ حجزها لدى المصارف، رغم ان المادة 169 من قانون النقد والتسليف أكدت بأن حسابات الادخار هي بمثابة سند دين للمودع مما يوجب على المصارف أن تعيدها «غب الطلب» أو بالاستحقاق، وفي حال رفضت المصارف دفعها فوراً تعتبر مخالفة قانونية وبمثابة استيلاء على أموال المودعين.
– راكمت المصارف المخالفات بامتناعها عن ايداع الشيك المسحوب على مصارف اخرى واكتفت بإيداع الشيكات المسحوبة على المصرف ذاته. وهذا يعني ان حامل الشيك محظر عليه ايداع الشيك في حسابه كما لا يمكنه سحبه نقداً من المصرف المسحوب عليه لأنه مسطّر.
وعليه، لا بد من فك القيود وازالة العوائق على التداول بالشيكات بأن تتوقف المصارف عن إصدار دفاتر شيكات أوراقها مشطوبة سلفاً واعادة التعامل بالشيكات العادية (غير المشطوبة) وفقاً للقوانين المرعية الإجراء، مع وضع ضوابط تنظيمية تراعي أصول التعامل المصرفي بموجبها ودراسة حركة حسابات المودعين التاريخية، توخياً للشفافية للتحقق من تطبيق القوانين الناظمة للتداول بالشيكات.