المصارف تغدر بميقاتي: خطة الحكومة باتت يتيمة

ما إن صدر تصريح جمعيّة المصارف على الموقع الرسمي لوكالة رويترز، والذي رفض مقاربات الخطّة الحكوميّة، حتّى سارعت الجمعيّة للإيضاح بأن موقفها السلبي مربوط بصحّة التسريبات الإعلاميّة التي تناولت خطوط الخطّة الحكوميّة العريضة، التي لم تطلع عليها الجمعيّة. مع الإشارة إلى أن الجمعيّة نشرت مع توضيحها النص الكامل للأجوبة التي أرسلتها لوكالة رويترز، والتي أخذت منها الوكالة موقف الجمعيّة من الخطّة، في محاولة للإشارة بأن رويترز اجتزأت موقف الجمعيّة الكامل من الخطة الحكوميّة.

من الناحية العمليّة، لم يكن للتوضيح الذي نشرته الجمعيّة –بعد صدور خبر رويترز- أي معنى ملموس باستثناء محاولة امتصاص ردّ الفعل الحكوميّ المتوقّع على موقف الجمعيّة، خصوصًا أن نص الأجوبة الذي أرسلته الجمعيّة لرويترز –والمنشور مع توضيح الجمعيّة (راجع “المدن”)- يؤكّد موقف الجمعيّة السلبي من الخطّة الحكوميّة، والتي تعلم الجمعيّة جيّدًا أن تفاصيلها متطابقة مع التسريبات الإعلاميّة التي طلبت رويترز التعقيب عليها. بمعنى آخر، طالما أن الجميع بات يدرك أن التسريبات الإعلاميّة صحيحة ودقيقة، فلا معنى لربط الموقف السلبي بصحّة هذه التسريبات، باستثناء محاولة تليين الوقع السياسي لهذا الموقف.

أهم ما في توضيح الجمعيّة، هو أنها كذبت بشكل مفضوح عندما أشارت إلى أنّها لم تطلع بعد على تفاصيل الخطّة، وأن ما تعبّر عنه من مواقف مرتبط بالتسريبات الإعلاميّة حصرًا. فالجمعيّة كانت مطلعة طوال الفترة الماضية على تطوّرات عمل الوفد المفاوض مع صندوق النقد، وعلى جميع التعديلات التي قام بها الوفد على خطّة الحكومة الماليّة. ومتابعة الجمعيّة لعمل الوفد كانت تجري بشكل مباشر، من خلال الاجتماعات التي جمعت الطرفين، أو بشكل غير مباشر من خلال مداولاتها مع حاكم مصرف لبنان، العضو في وفد التفاوض. بل ومن المعلوم أن الحاكم بحث مع الجمعيّة في العديد من الاجتماعات حجم الخسائر التي ستتحملها المصارف جرّاء توظيفاتها في مصرف لبنان، في ضوء تطوّرات العمل على خطة الحكومة الماليّة.

أمّا المسألة المستغربة جدًّا، فكانت انقلاب موقف الجمعيّة بشكل مفاجئ، من الاستبشار خيرًا بعمل الوفد المفاوض مع صندوق النقد، إلى إبداء الرفض لمقاربات الخطّة الحكوميّة، وهو ما يطرح السؤال عن سرّ موقف الجمعيّة السلبي الأخير، وعن سبب تنكرها لجميع المداولات التي قامت بها مع الوفد.

لفهم موقف الجمعيّة الأخيرة، يُفترض العودة إلى تطوّرات المفاوضات الأخيرة مع صندوق النقد. فخطة الحكومة، نصّت على تحميل المودعين ما يقارب 55% من خسائر القطاع، مقابل تحميل الدولة ومصرف لبنان نحو 26% من هذه الخسائر، وتحميل المصارف نحو 19% منها. ومن الناحية العمليّة، كان من المفترض أن ينتج عن هذا المسار اقتصاص تبلغ قيمته 13 مليار دولار من الرساميل المصرفيّة، وهو ما يحافظ على نسبة من الرساميل التي تكفل حفاظ المساهمين في القطاع على ملكيّة مصارفهم، خصوصًا بعد أن سمحت تعاميم مصرف لبنان السابقة بنفخ الرساميل المصرفيّة بإجراءات محاسبيّة شكليّة خلال العام الماضي.

هكذا، كان من المفترض أن تمثّل خطة الحكومة بالنسبة إلى المصارف تسوية معقولة، من خلال تحميل النسبة الأكبر من الخسائر للأموال العامّة وأصحاب الودائع المصرفيّة، في مقابل الحفاظ على حد أدنى من رساميل المساهمين في القطاع، بخلاف خطة لازارد التي نصّت على اقتصاص كامل للرساميل المصرفيّة قبل تحميل الدولة أو المودعين أي جزء من الخسائر. وهذا تحديدًا ما يفسّر موقف الجمعيّة الإيجابي السابق من الوفد اللبناني المفاوض، ومن المقاربات التي كان يعدها.

لكن بمجرّد انطلاق المحادثات الأخيرة مع صندوق النقد، وظهور موقف الصندوق السلبي من الخطّة، وبعد أن تبيّن لجمعيّة المصارف صعوبة تطبيق هذه التسوية، انقلبت الجمعيّة على الحكومة وخطتها والوفد المفاوض مع الصندوق، وعادت إلى رفع السقف في مواجهة تحميل رساميل المصارف هذه النسبة من الخسائر. وبذلك، يصبح من الواضح أن انقلاب الجمعيّة على الخطة يرتبط بمحاولتها رفع سقف التفاوض من جديد، قبل إعادة البحث في الخطة مرّة جديدة مع الوفد الحكومي، للحؤول دون زيادة نسبة الخسائر التي ستتحمّلها في ضوء محادثات الوفد مع الصندوق. بمعنى آخر، ما تقوم به الجمعيّة ليس سوى إعادة ترتيب لأوراق التفاوض في وجه حكومة ميقاتي، بعد أن تبيّن أن الصندوق لن يمرّر صيغة توزيع الخسائر الواردة في خطة الحكومة الحاليّة، وبعد أن تبيّن أن الوفد اللبناني متجه إلى توزيع مختلف للخسائر.