لم “تبتلع” المصارف اللبنانية بسهولة قانون إعادة هيكلتها، الذي لم يتضمّن تحميل الدولة اللبنانية خسائر مصرف لبنان كما أرادت، فأعدت العدّة بهجوم شرس عليه عبر مذكرة “ربط النزاع” التي تقدّمت بها الى وزارة المالية والمؤلفة من 11 صفحة وتحمل توقيع أحد عشر مصرفاً.
أرسلت المصارف مذكّرة “ربط النزاع” تحت عنوان “المصارف المستدعية هي دائنة لمصرف لبنان ومتضرّرة من عدم مطالبة هذا الاخير الدولة اللبنانيّة بأن تسدّد له المبالغ التي استدانتها منه، بأن تعطي كامل الخسائر التي تظهر في عجز ميزانيته بعد أن تم تصحيحها بموجب تقرير Alvarez &Marsal، وبالتالي هي تتقدم بالمذكرة لالزام الدولة بتنفيذ موجباتها القانونية والتعاقدية تجاه مصرف لبنان عن طريق التسديد الفوري للأخير للمبالغ المستحقّة بذمتها تجاهه”… فلماذا قامت بهذه الخطوة، وماذا تعني؟.
“من المحتمل أن البنوك تمارس الضغط على الدولة لمنع التصويت على مشروع قانون إعادة الهيكلة”. وهنا يرى الخبير الاقتصادي ميشال فياض عبر “النشرة” أن “السبب يعود رُبما لأن مشروع القانون لا يجسد مسؤولية الدولة عن الخسائر وهذا ما لا تريده المصارف”، لافتاً الى أنه “ومنذ تشرين الأول 2019 إندلع صراع حول تحديد من يتحمل مسؤولية خسائر القطاع المصرفي أو ما حصل في هذا القطاع، وفي حين أن صندوق النقد يعتبر أنه على المساهمين في المصارف تحمل الخسائر أولاّ من ثمّ مصرف لبنان وكبار المودعين”.
يعود ميشال فياض ليلفت الى أنه “بسبب هذا الصراع فإنّ المصارف نسفت خطة لازارد وخطة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي عبر قنواتها في البرلمان اللبناني، والان تأتي من جديد لتحاول نسف قانون اعادة هيكلتها والمحضّر من قبل مصرف لبنان”. بدوره المحامي الدكتور باسكال ضاهر يعتبر عبر “النشرة” أن “البنوك تسعى ومن خلال ربط النزاع الذي توجهت به الى وزارة المالية الى أن تحلّ محل مصرف لبنان وتباشر مهامه بنفسها من خلال القضاء ، وبهذا التعبير المسمّى بـ”ربط النزاع” تقول إن المركزي المدين لها هو قاصر عن اداء مهامه وهي ستنوب عنه”.
“الهدف الثاني الذي تريده هو محاولة الالتفاف على قانون اعادة هيكلتها الذي تم تقديمه مؤخراً وهو لا يتضمّن تحميل الدولة مسؤوليتها، هذا ما دفعها الى أن تتقدم خطوة باتجاههم وتتقدم بربط النزاع هذا”. هنا يرى الدكتور ضاهر أن “الملفت بان المصارف قد استندت الى القوانين المرعية الإجراء والموجودة لتحمي حقوقها، مما يفيد بأننا لسنا بحاجة الى قوانين جديدة ترمي الى تمويه الإرتكابات الحاصلة بل الى تطبيق الموجودة”.
“في 21 تشرين الثاني 2022 أعلن حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة الملاحق دوليا بسبب انتهاكات واحتيال عبر “الحرّة” أن مصرف لبنان لم يموّل الدولة إلا بالليرة اللبنانيّة وليس بالدولار”. هنا يلفت فياض الى أن “هذا يعني أن الاحتياطي بالدولار إستعمل للحفاظ على توزان الليرة بعد انهيارها أمام العملة الخضراء (لاكثر من 35 مليار دولار) كما ولدعم الهندسات الماليّة (لاكثر من 20 مليار دولار)، اضافة الى توزيع الارباح على مساهمي البنوك، فوائد الديون كذلك الخسائر المرتبطة بسندات اليوروبوند (لاكثر من 5.2 مليار دولار) وبعد هذا كلّه تأتي البنوك لتحميل الدولة الخسائر”.
أمام هذا المشهد يسأل الدكتور ضاهر “أين تتجه الامور… لا ندري!، فهل يسعون الى وضع اليد على مصرف لبنان؟، وقد مارست المصارف الان مهام مرتبطة بشكل وثيق به بعد ان اعتبرته معتكفًا عن تحصيل حقوقه”.
الأكيد أن المصارف تريد الاطاحة بقانون اعادة هيكلة المصارف… ولكن ما هو هدفها الأبعد عدا عن التنصّل من إعادة أموال المودعين، فهل هو فعلاً وضع اليّد على المصرف المركزي؟! وكيف سينتهي هذا الصراع؟!.