بعدما فقدت المصارف تمويلها الأساسي المتأتي من إقراض الدولة والقطاعات الإنتاجية والأفراد، إستحالت اليوم “صندقجية” تنحصر عملياتها على تسهيل إتمام السحوبات النقدية والبحث عن مصادر تمويل نفقاتها. من هنا، بدأت معظم المصارف بفرض شروط عشوائية وغير قانونية على عملائها وكأنها الآمر الناهي في هذا القطاع، من دون إفساح المجال للعميل بالرفض أو الإعتراض على ممارساتها الوقحة. فلم تترك طريقة إلا واعتمدتها لنهش كل ما تبقى من أموال مودعيها. حتى أن بطاقات السحب المدينة التي كانت تقدمها مجاناً أصبحت مدفوعة الثمن باللولار والدولار حسب نوع الحساب، وذلك بعدما امتنعت عن تقديم الخدمات على الصندوق وأجبرت عملاءها على السحب من الصرافات الآلية بواسطة البطاقات.
“لم تتوقف المصارف في البحث عن سبل وطرق تضمن بقاءها في الأسواق، فنراها مستمرة بفرض شروط وعمولات عشوائية على حسابات المودعين بهدف تمويل مصاريفها ونفقاتها”، يقول عضو رابطة المودعين المحامي فؤاد دبس. و”ما يعزز استمرار هذه الممارسات غير القانونية هو غياب القضاء والبرلمان ولجنة الرقابة على المصارف، الأمر الذي يجعل المصارف الطرف الأقوى”، فتتقاضى البنوك على السحوبات الدولارية الفريش عمولات ورسوماً متعدّدة، وكل مصرف “يغني على ليلاه”.
إذ تختلف هذه العمولات بين مصرف وآخر، وهذا بعض منها: بنك سوسيتيه جنرال SGBL يقتطع 6 دولارات من كل 1000 دولار على السحوبات من حسابات الدولار الطازج Fresh account. والإعتماد اللبناني Credit Libanais يقتطع 7 دولارات من كل 1000 دولار، وفرنسا بنك Fransabank يقتطع 8 دولارات من كل 1000 دولار. هذه الإقتطاعات تضاف الى جانب العمولات الشهرية التي يتقاضاها المصرف على حسابات “الفريش” والتي بدورها تختلف أيضاً بين مصرف وآخر، فيُحسم 2 دولار شهرياً من حساب العميل في كل من بنك عوده، “سوسيتيه جنرال” والإعتماد اللبناني. و 2.5 دولار شهرياً عمولة بنك مد Bank Med والإعتماد المصرفي Credit Bank. و5 دولارات شهرياً للحسابات المودعة في بنك “ليبانو فرنسيز” Libano Française و فرنسبنك. “وهكذا تعمد المصارف إلى سلب أموال العملاء عن طريق فرض “خوّة” وعمولات عشوائية غير مبررة”، بحسب دبس.
كما وتتقاضى المصارف عمولات ورسوماً بالدولار على التحويلات، وهي تختلف أيضاً بين مصرف وآخر وتتراوح بين 10 و15 دولاراً للتحويلات الواردة من الخارج. أمّا بطاقات السحب من الصرافات الآلية التي أصبحت إلزامية فلم تعد مجانية. والمصارف التي كانت تتنافس في ما بينها على بيع هذه البطاقات مجاناً وتعبئتها بمبالغ تتراوح بين 3 و10 مرات الراتب الشهري، وتصدر لكل حساب بطاقة، فقد اضافت عليها بطاقة “الفريش دولار” وأصبحت تتقاضى ثمنها بالدولار النقدي عند اصدارها أو حتى تجديدها
المصارف إذاً، تمارس أبشع العمليات الإبتزازية على العملاء، خصوصاً بعد إحتجاز ودائعهم وفرض سقوف على سحوباتهم، ومنعهم من فتح حسابات جديدة في مصارف أخرى أو نقل حساباتهم من مصرف لآخر. وهي تفعل هذا مطمئنة البال أنه في النهاية ليس أمام العميل سوى الرضوخ. فهم مهما إعترضوا سيعودون مرغمين على القبول بسبب غياب البديل. ويؤكد دبس أن رابطة المودعين لن توقف عملها لو مهما واجهت من صعوبات، فهي مستمرة بالدفاع عن حقوق المودعين وتوجيه الإنذارات للمصارف المخالفة.