فوجئ زبائن عدد من المصارف، في الأيام الماضية، بفرضها عمولات جديدة عليهم، أبرزها عمولة بمعدل 2 بالألف و 4 بالألف على كل عملية سحب نقدي، وعمولة على تسديد قيمة الشيكات بالليرة بقيمة 1500 ليرة، فضلاً عن رفع العمولة على قيمة الشيكات بالدولار إلى 1.5 دولار وعلى الاعتمادات المستندية وباقي العمليات المصرفية…
في ظل موجة شحّ الدولارات في السوق المالية، باشرت المصارف بفرض قيود على السحوبات النقدية وعلى تحصيل الشيكات بالليرة اللبنانية. فمنذ أسابيع قليلة، بدأت المصارف بتكليف الزبائن عمولات من نوع جديد، بالإضافة إلى رفع عمولات مطبقة. مبدأ فرض العمولات الجديدة، وإن كان يتراوح في حدّته بين مصرف وآخر، إلا أن الزبائن فسّروه على أنه نوع من القيود التي تفرضها المصارف المركزية والتجارية أيام الأزمات. من أبرز هذه العمولات، ما بدأت تفرضه غالبية المصارف على السحب النقدي. بعضها فرض أن تكون هذه العمولة 2 بالألف من قيمة كل عملية، وبعضها الآخر اعتمد معدل 3 بالألف وأخرى رفعتها إلى 4 بالألف. كذلك، عمدت بعض المصارف إلى تحديد سقف للأموال المسحوبة الخاضعة للعمولة كأن لا تقلّ عن 5000 دولار أو 10 آلاف دولار…
لم يكن واضحاً الهدف من هذه العمولات، سوى أن المصارف تسعى إلى أمرين: تعويض الخسارة الفائتة من أرباحها الناتجة من رفع ضريبة الفوائد من 7% إلى 10% (رغم أنها تحقّق أرباحاً مضاعفة، قبل بدء تطبيق رفع الضريبة، نتيجة رفع أسعار الفائدة)، ووضع قيود على السحب النقدي بسبب النقص في الدولارات في الفروع المصرفية، وخصوصاً أن المصارف شهدت قبل فترة وجيزة طلباً من الزبائن على السحب النقدي بالدولار، إلا أنها لم تكن قادرة على تلبية الطلب الإجمالي. وبحسب مصادر مصرفية، فإن السبب في هذا الشحّ، أن الشركة التي تشحن الدولارات من الخارج بدأت تقنّن تزويد السوق بالدولارات النقدية من دون أي مبررات واضحة، تاركة خلفيات هذا الأمر إلى التكهنات في السوق التي انتشرت بين موظفي المصارف والزبائن. ثمة عدد غير قليل كان يشير إلى أن هذه الشركة لم يعد لديها دولارات كافية، وآخرون تحدثوا عن أنها لا تريد التفريط بالكميات التي في حوزتها طالما أن الطلب على السحب النقدي متزايد في هذه الفترة. في كلتا الحالتين، بدأت الشركة بتقنين تزويد السوق (مصارف وصرافين) بالكميات الكافية من الدولارات. لكن ثمة مصرفيين أشاروا إلى أن الشركة تفرض عمولات على المصارف، ما دفع هذه الأخيرة إلى تحميل الزبائن كلفة السحب، علماً بأن هذه الكلفة على عاتق المصرف ولا دخل للزبون بها، إذ إنه يريد تحصيل وديعته بالعملة التي أودعها فيها.
وفي السياق ذاته، لاحظ الزبائن أن المصارف بدأت تفرض عمولة تسديد الشيكات بالليرة اللبنانية بقيمة تتراوح بين 1000 ليرة على كل شيك أو 1500 ليرة. أثار هذا الأمر الكثير من الاستغراب، إذ إن عمولة تسديد الشيكات بالدولار مبرّرة بأن التداول بالعملة الأجنبية يخضع لقواعد مختلفة عن القواعد المتعلقة بالتداول بالعملة المحلية، وبالتالي فإن المقاصة على الشيكات بالدولار ترتّب كلفة على المصارف ويتم تحميل جزء منها، إن لم يكن كلّها، للزبون، لكن ما هي الكلفة المترتبة على مقاصة التداول بشيكات العملة المحلية، ولماذا يتم فرض عمولة عليها؟
ومن اللافت أن المصارف لجأت في الأسابيع الماضية إلى رفع كل أنواع العمولات التي تتقاضاها من الزبائن، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات أو شركات. وهذه العمولات تأتي فوق ارتفاع أسعار الفائدة المفروضة على القروض وعلى التسهيلات المصرفية وفتح الاعتمادات، ما يؤدي عملياً، إلى رفع الكلفة على القطاع الخاص والأسر.
بحسب المتابعين، فإن غالبية هذه الإجراءات تقع في إطار واحد، هو السياسة النقدية التي ينتهجها مصرف لبنان. فهو بوصفه الهيئة الناظمة والرقابية على المؤسسات المالية، عليه أن يرسم الحدود اللازمة للمصارف، إلا أنه يلغي كل ذلك ضمن أولوياته النقدية التي تستوجب محاباة المصارف من أجل تحفيزها على استقطاب الدولارات.
ورغم كل هذه المحاباة التي تترجم أرباحاً إضافية ممولة بالمال العام، ورغم ارتفاع أسعار الفوائد على الودائع إلى معدلات قياسية لم يشهدها لبنان على مدى العقدين الأخيرين، إلا أن المصارف ليست قادرة على استقطاب التدفقات الرأسمالية بالدولار بكمية تغطّي الدولارات الخارجة من لبنان، وهو ما يعبّر عنه عجز ميزان المدفوعات بقيمة ملياري دولار في الفصل الأول من السنة الجارية. غير أن هذا العجز، لا يعبّر فقط عن تراجع ثقة أصحاب الأموال في لبنان والخارج بالقطاع المصرفي، بل يدلّ أيضاً على «تدهور ما» في احتياطات مصرف لبنان التي تراجعت بقيمة 3.6 مليارات دولار خلال خمسة أشهر. كانت احتياطات مصرف لبنان 34.6 مليار دولار في تشرين الأول 2018، وتراجعت في آذار 2019 إلى 31 مليار دولار.