تنفّذ المصارف إضرابها الذي أعلنته ليوميّ الإثنين والثلاثاء 21 و22 آذار. لم تقفل المصارف اعتراضاً على تعاميم مصرف لبنان التي حاولت عرقلة تنفيذها ثم التزمت بها رغم عدم رضاها عنها. ولم تقفل اعتراضاً على اتهامات القوى السياسية لها بضياع أموال المودعين. لكنها سارعت للإضراب عندما استجاب القضاء لدعاوى المتضرّرين. وهذا دوره الطبيعي. فوضعت المصارف نفسها ضد القضاء في سابقة لافتة وخطيرة.
واستدعت المصارف جنديّها المخلص، وهو اتحاد موظفي المصارف، ليساندها. ووجّه الطرفان سهامهما نحو القضاء. فوصفت المصارف القرارات القضائية بـ”التعسفية”، ثم ذكّرَت بأنها “تحت سقف القانون”. أما الاتحاد، فتمنّى أن “يتعاطى الجهاز القضائي بشكل موضوعي مع الأزمة المصرفية. فالقرارات القضائية الأخيرة تخطّت المصارف المعنيّة بهذه القرارات لتطال كل القطاع المصرفي. ونتائجها كارثيّة على سمعة القطاع في الخارج”.
القرارات القضائية بحق بعض المصارف وأصحابها ورؤساء مجالس إداراتها، قانونية بامتياز، وإن كان لنتائجها تداعيات شعبوية لأنها تُفرِح المتضررين من المصارف والجمهور العام. وهذا لا ينتقص من قانونيتها. ثم أن القضاء المختص للنظر في الدعاوى بين المصارف ومودعيها، هو “القضاء المدني وليس الجزائي. والمدني يتحرّك بموجب دعوى فيها وقائع ومعطيات، ولا يتحرّك من تلقاء نفسه لأنه ليس سلطة ادّعاء”، وفق ما تقوله لـ”المدن”، الخبيرة القانونية المتخصصة في الشؤون المصرفية، سابين الكيك.
الانطلاق من الدعوى يعني أن المودع المتضرّر هو من تقدّم بإخبار “ولا أحد يمكنه إجبار المودع على ذلك، أو ثنيه عنه، أو إجبار القاضي بعدم النظر بالملف الذي بين يديه. وبالتالي تسقط ادّعاءات الاستنسابية والتعسّف وممارسة الصلاحيات خارج الحدود المسموح بها. فالتعسّف هو ممارسة حقّ يسبّب ضرراً للغير، وهذا لم يحصل، بل مارسَ القضاء أصولاً قانونية وعلى المصارف إذا كانت متضرّرة أن تسلك مساراً قانونياً”.
المعركة اليوم بين القانون واللاقانون. أما الحديث عن الانعكاسات الاقتصادية لاستهداف المصارف، فهو تهويل ومسؤولية لا يتحمّلها المودعون والقضاء الذين انتظروا أكثر من سنتين للتحرّك، ومع ذلك لم تقم المصارف والحكومات المتعاقبة بخطوات إيجابية تجاه المودعين والاقتصاد “كما أن القضاء تأخّر لاستيعاب الأزمة”.
بوصول الأزمة إلى مرحلة تصدّي المصارف للقضاء، نكون أمام مسار جديد “تستفز فيه المصارف المودعين والشارع وتستعمل كل أدوات القصاص ضدّهم. وفي هذه الحالة، لا شيء أمام المودعين ليخسروه، لأن المصارف لم تترك لهم ما يتمسّكون به. ولذلك، ستكثر الدعاوى وستُجبَر المصارف قانونياً على إعادة النظر بوضعها، وستسرِّع إجراء إعادة الهيكلة لترى مَن يمكنه البقاء في السوق ومَن سيخرج. وفي هذه الحالة يتراجع استنزاف المودعين واستنزاف الاقتصاد ويتم وضع حدٍّ للمهزلة”.
ليس على المصارف الإفلاس أو الإقفال، تؤكّد الكيك، لكن استمرارها “وفق أي قاعدة سيكون؟”. أمام هذه التطوّر في المسار “لا يجب على المصارف الوقوف في وجه القضاء والمودعين، بل عليها استمالتهم، خصوصاً وأن مبرّر وجودها هو أموال المودعين، ومن دونها تخسر المصارف جوهر عملها”. وتلفت الكيك النظر إلى أن المصارف باستعدائها للمودعين غيّرت دورها، بل وزادت في استنزاف ما تحتجزه من أموال لهم. “فالمصارف اليوم تستعمل الودائع، فضلاً عن بعض العمولات، لسد مصاريفها التشغيلية في ظل تراجع إيراداتها مع انعدام إعطائها القروض وتحصيل فوائدها”.
الدعاوى ستتواصل وهي حق للمتضرّرين، فهل ستستمر المصارف في الإقفال؟ وإذا كانت المصارف ترى بأن المسؤولية تقع على السلطة السياسية ومصرف لبنان، بسبب استمرار سياسة الاستدانة وعدم إيفاء الديون، فعلى المصارف الوقوف مع المودعين والقضاء في وجه السلطة ومصرف لبنان. على أن الاعتراف بتضييع أموال المودعين، يدين المصارف التي استمرّت بإقراض الدولة مع علمها باستحالة السداد بسبب الفساد. ولذلك، فهذه الحجّة مردودة على المصارف وتضاف إلى جعبة مسؤوليتها عن أموال المودعين.