كما يقتطع “منشار” المصارف من أموال المودعين بـ”الطالع”، بدأ “يأكل” من دخلهم بـ”النازل”. فمع ارتفاع كلفة النقل بأكثر من 1200 في المئة، وفقدان رواتب ومدخرات المواطنين أكثر من 80 في المئة من قيمتها، تَعمد المصارف إلى إغلاق فروعها في المناطق والاطراف، مكبدة زبائنها أكلافاً باهظة للوصول إلى صناديقها وصرافاتها الآلية في ظل غياب النقل المشترك. عملاء أحد البنوك في قضاء الشمال أصبح يتحتم عليهم دفع 300 ألف ليرة أجرة مواصلات إلى بيروت لتسديد سند أو سحب مليون و 560 ألف ليرة (400$) من رواتبهم الموطنة بالدولار، وذلك بعدما أقفل المصرف فرعه في طرابلس.
الأمور لا تنتهي عند هذا الحد، فقد يكون الصراف الآلي خارج الخدمة، أو أُقفل عليه داخل خزنة حديدية في حال كان الوقت متأخراً… “وهذا الواقع الذي بدأ يضغط على قسم كبير من موظفي القطاعين العام والخاص يترافق مع رفض معظم المؤسسات قبول البطاقات المصرفية”، يقول أحد المصرفيين، وحتى إذا قبلها البعض فيحتسب السحب على أساس سعر صرف 1500 ليرة بدلاً من 3900 ليرة اذا كانت البطاقة بالدولار، الأمر الذي يجعل منها عديمة الفائدة.
ومع كل فرع يقفل، يصرف المزيد من الموظفين، “حيث من المتوقع أن يبلغ عدد المصروفين من المصارف 4000 موظف لغاية نهاية العام”، بحسب المصدر، و”المشكلة أن جزءاً كبيراً منهم يُصرف تعسفياً وبتعويضات زهيدة جداً على أساس (المادة 50) من قانون العمل. أما سحب تعويض نهاية الخدمة من الضمان الاجتماعي فيستغرق شهوراً وبالتقسيط، وهو يخسر من قيمته كل شهر أكثر مع انهيار سعر الصرف”.
تبريرات المصارف بالعمل على تخفيض الأكلاف بعد تراجع الإنتاج وتدفق الأموال، يقابله انتقاد جدي لمنهجية المصارف التي لم تعمل منذ نشوب الأزمة إلا على تعميق الهوة بينها وبين زبائنها، و”مكافأتهم” على تحمّلهم أعباء الخسارة قبل حتى أن تعترف بها وتتحمل حصتها منها… حيث بات كل همها البقاء والاستمرار “مكسورة” وعاجزة، ولو على حساب الجميع.