يعاني القطاع الزراعي من تهميش وإهمال حكومي يؤثّران بشكل كبير على العاملين فيه. وبالاضافة إلى كونه يشكل ملجأ للمزارعين ويساعد على تحويل الاقتصاد من الريع الى الانتاج، فهو يؤمن مدخولاً بالعملة الصعبة عن طريق التصدير. فتشجيع الصادرات، في الحالات الطبيعية يعدّ داعماً لأي اقتصاد لكي يتمكن من تحقيق اكتفائه الذاتي، فكيف الحال في الازمات!
يمتلك لبنان المقومات الأساسية التي تخوّله تنشيط القطاع الزراعي، الذي يعتبر حيوياً لخلق الوظائف والحد من الفقر والجوع. وقد تضرّر هذا القطاع بشدة من جراء الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان وجائحة كورونا والتداعيات التي تركتها الحرب الاوكرانية الروسية. ويخشى المزارع اللبناني خسارة الأسواق الخارجية في ظل شح الدولار في البلد وحاجته الى العملات الصعبة، والتي يمكن أن يكتسبها عن طريق التصدير، لأن الاسواق المحلية غير قادرة على استيعاب منتجاته، وخاصة بعدما تراجعت القدرة الشرائية لدى المواطن اللبناني.
ضرورة التصدير!
“مخطئ من يظن أن التصدير الى الخارج يؤدي الى ارتفاع اسعار المنتجات الزراعية المحلية”، يقول رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم الترشيشي، “لأنه لا يتم التصدير الى الخارج سوى فائض المنتجات الزراعية بعد تزويد الاسواق المحلية بالكميات الكافية، والتي تختصر ببعض الانواع كالتفاح والعنب والبطاطا والموز والحمضيات على انواعها، وبعض الفاكهة مثل الدراق والإجاص. كل هذه الانواع متوفرة بآلاف الأطنان، ومن الضروري أن تصدّر الى الخارج لتجنب أزمة كساد المحاصيل. فالتصدير أصبح اليوم ضرورة وأكثر من ضرورة لكي يتمكن المزارع من تصريف انتاجه بالكامل نظراً لتراجع نسبة الاستهلاك في البلد”.
معوقات التصدير البرّي
ويبدأ الترشيشي بالحديث عن أول مشكلة يواجهها التصدير البرّي وهي الضريبة التي فرضتها سوريا على كل الشاحنات التي تحمل منتجات لبنانية ذهاباً واياباً، خاصة ولأن الأراضي السورية تعد المتنفس الاساسي لكل حركة التصدير والاستيراد البرّي، والمتنفس الاكبر للبنان باتجاه العالم العربي. فهذه الضريبة تشكل عبئاً على المزارع اللبناني، ما يؤدي الى تدني القدرة التنافسية لهذه المنتجات في الخارج. أما المشكلة الثانية فهي تتعلق بإغلاق الاسواق السعودية أبوابها أمام كل المنتوجات الزراعية اللبنانية وكذلك عرقلت دخولها الى الأراضي الأخرى عن طريقها، اي لم يعد بإمكان الشاحنة الوصول الى الكويت وعمان ودبي وقطر.
معوقات التصدير البحري
ولفت الترشيشي الى أن التصدير عبر البحر يشكل حوالى 90 بالمئة من مجمل الصادرات الزارعية، ولكنه يواجه أيضاً مشاكل عدة اهمها:
– إرتفاع أسعار النقل عالمياً.
– ضعف القدرة على شحن وإيصال كل البضائع بنفس الوقت وبطريقة منتظمة إلى الاسواق الخارجية. وذلك بسبب غياب أي برنامج واضح لمواعيد وصول البواخر. الأمر الذي يؤدي الى انخفاض الأسعار وتلف بعض البضائع في الخارج نتيجة تفوّق العرض على الطلب.
والى جانب كل هذه المشاكل في التصدير البري والبحري، تبقى المشكلة الاساسية في ارتفاع كلفة الانتاج في لبنان. حيث أفقد الارتفاع الكبير في أسعار الأدوية والأسمدة والبذور والمحروقات، الزراعة جدواها الاقتصادية. أضف الى ذلك استمرار دعم مؤسسة “ايدال” التصدير الزراعي على أساس الـ1500 ليرة للدولار الواحد، حيث كانت تدفع على كل طن 60 و70 دولاراً واحياناً تصل الى 120 دولاراً حسب أنواع المنتجات. وبدل من أن يصل دعم “الكونتينر” الى 1000 دولار، أصبح اليوم بالكاد يوازي 50 دولاراً، الأمر الذي سيؤدي الى تراجع القدرة التنافسية في الخارج. وأخيراً التعدي على القطاع الزراعي لتشويه سمعة المصدّر اللبناني”.
المطلوب خطوات تنفيذية
وأشار الترشيشي الى المؤتمر الزراعي الذي انعقد في بيروت وضمّ إضافة الى وزير الزراعة اللبناني الدكتور عباس الحاج حسن، كلّاً من وزراء الزراعة في كل من سوريا والأردن والعراق، والذي حمل سلسلة من الايجابيات وحلحلة لبعض العقبات التي تواجه مسار التصدير الزراعي في لبنان باتجاه البلدان الشقيقة الثلاثة. “ولكن هناك بعض الأمور والتي تعتبر اساسية وضرورية لم يتم الاتفاق عليها”، برأي الترشيشي، “ومنها:
– السماح للشاحنات اللبنانية بالدخول الى الاراضي العراقية عن طريق البر أسوة بغيرنا من الدول العربية التي تدخل بمنتجاتها الى كل الاسواق العراقية الداخلية. وذلك دون فرض الجانب العراقي على الشاحنات اللبنانية التفريغ عند الحدود، وأضف الى ذلك غياب وجود الروزنامة الزراعية في العراق.
– الضريبة المفروضة من الجانب السوري على كل الشاحنات التي تحمل منتجات لبنانية ذهاباً واياباً”.
وختم الترشيشي بالقول: “نحن ننتظر الاجتماع الذي سينعقد في شهر أيلول ليحمل المزيد من الخطوات التنفيذية والملموسة لتطبق على أرض الواقع”.
إن تدخّل الدولة في هذا المجال ضروري لتحقيق النمو الاقتصادي وتحرير البلاد من الفقر والجوع والبطالة. فالاستثمار في القطاع الزراعي ودعم تصدير منتجاته يحد من إرتفاع نسبة البطالة وبالتالي يخلق فرص عمل ويساهم أيضاً في خلق قدرة تنافسية، الأمر الذي يجعل السلع المحلية تنافس السلع في الأسواق الخارجية. فلماذا لا يزال هذا القطاع بعيداً عن أولويات الدولة اللبنانية؟