“المقومات السياحية الموجودة في لبنان غير موجودة في بلد آخر”، قالها وزير السياحة وليد نصار في أواخر شهر حزيران/يونيو. الأخير، الذي قدّر عدد السياح الذين سيتوافدون إلى لبنان بمليوني وافد و10 مليارات دولار، تمت مواجهته بردود أفعال لبنانية غاضبة بسبب جشع التجار.
منذ مطلع الصيف، لم تهدأ الاتهامات المتبادلة بين اللبنانيين المتصارعين في منصات التواصل الاجتماعي. يعتقد البعض أنّ علينا اليوم إظهار الجانب الجمالي من لبنان بعيداً من كل تبعات الأزمة التي تزداد سوءاً، خصوصاً على المقيمين. في إحدى التغريدات التي عرضت صورة للطبيعة في لبنان، ردّت مغرّدة: “جمال لبنان يزداد سحراً بوجود سعادتكم وبمحبتكم العارمة وبالاضاءة على معالم الجمال في وطن الأرز”.
الرأي نفسه، تروّج له في الدرجة الأولى القنوات التلفزيونية التقليدية. قناة LBCI أعطت مساحة للحملة السياحية منذ 2022. تعرض المحطة يومياً في تقاريرها الإخبارية، مناطق سياحية وتروّج لمؤسسات سياحية، تشجيعاً للمغتربين السيّاح. هذا عدا عن الإعلانات الترويجية لـ”أهلا بهالطلة أهلا” التي تظهر في شاشاتها.
لكن الصورة الجميلة، يقابلها استياء من ارتفاع غير منطقي في الأسعار، حتى بات المقيم ينتظر نهاية الشهر ليقترب انتهاء الموسم السياحي. بذلك يكون فعلياً الموسم عبئاً على هؤلاء، الذين لم يبقَ لديهم سوى منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبهم أو نشر فواتير المطاعم والمقاهي والفنادق الخيالية.
“بومة” السوشال ميديا
في التقارير الإخبارية أيضاً، بدا واضحاً طمر الواقع المزري للبنانيين، منعاً لـ”التشويش” على الموسم. توازي هذا الجهد، حملة في مواقع التواصل ضد “بومة” السوشال الميديا، في اشارة الى لبنانيين يرفضون التشويش على الموسم السياحي، ويعبّرون عن استيائهم من مشاهد الشوارع والمطاعم والمقاهي وأماكن السهر المزدحمة.
و”البومة” نفسها هي التي تعيش اليوم في ظل فوضى الأسعار التي قفزت في الموسم وطاولت جيوبها. التصفّح في مواقع التواصل بات يظهر جانبين، واحد يتضمن شكاوى حول الوضع الحالي وآخر ينشر مشاهد جميلة، مع تنامي ظاهرة الـ”بلوغرز”.
واقعياً، ما زال ما يتقاضاه اللبناني “العادي” لا يكفي لأول الشهر في ظل الأسعار “السياحية” التي تسري على المغترب وغير المغترب. “هيدا لبنان” هي جزء من الحملة السياحية، لبنان الذي بدا لتجّاره الغائبين عن أوجاعه سوقاً “فلتانة”. ولا بد من الإشارة إلى ارتفاع أسعار الإيجارات أيضاً التي ساهمت في هذه الفوضى.
وحسب المشهد القائم، فإن كل مقيم لبناني بات يُعامل كمغترب، أو كل مقيمَين يعاملان بعضهما البعض على أنهما مغتربان. فسائق الأجرة مثلاً، لم يعد يتقبّل قطّ أن يتقاضى سعر “السرفيس” المتعارف عليه (150 ألف ليرة)، بل يطلب أكثر، باعتبار أن سوق الفوضى سارية في ظل الموسم.
وتنامت ظاهرة “السرافيس” غير المرخّصة (من دون لائحة حمراء)، التي تطلب أسعار أقل من تلك المدولرة باهظة الثمن. وهنا، يمكن الجزم بأنّ “أهلا بهالطلة أهلا”، حملة استثمرتها كل فئات المجتمع اللبناني، لا سيما أولئك الذين تحولوا الى بيع وشراء الخدمات، من سائق الأجرة “وجرّ”.
بعد انتهاء الموسم السياحي، من المتوقّع أن تعود التقارير الاخبارية التي “لن تبعد” المغترب عنّا. عندما كنا نقوم بكنس الغرفة وتنظيفها، كان البعض يبعد الأوساخ الى تحت الكنبة، خوفاً من أن تظهر للضيوف (السائح المغترب)، وهذا شبيه بما يحصل اليوم، لكنّها فعلياً لم تُنظّف. “أهلا بهالطلة أهلا”، أباحت استغلال أموال المغتربين حصراً، من دون أي رقيب، أو ضمير.