يطمح المغرب إلى إرساء نموذج تنموي جديد، حيث يسارع الخطى للاستثمار في موارده الذاتية لتحقيق التنمية المستدامة والاستجابة للمتطلبات الاجتماعية المتزايدة فضلا عن تحقيق عدالة اجتماعية عبر القطع مع التجاوزات والممارسات غير القانونية.
وتترجم هذه المبادرة رؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس للنموذج الاقتصادي المغربي حيث إن النموذج التنموي الحالي أصبح اليوم، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من التفاوت والفوارق بين الفئات، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
ومن أجل تمكين الاقتصاد المغربي من تحقيق إقلاع حقيقي، تم إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي للقيام بتشخيص دقيق وموضوعي للوضعية الحالية بالبلاد، وتحديد جوانب القوة والاختلالات التي يجب معالجتها.
وتتجلى خصوصية هذه اللجنة في القيام بمهمة ثلاثية، تتمثل في إعادة التقويم ضمن منهجية استباقية واستشرافية من أجل تمكين البلاد من الاتجاه نحو المستقبل بكل ثقة، مع الاعتماد على مختلف المكاسب التي حققها الاقتصاد المغربي خلال العشرين سنة الماضية.
وفي هذا نسبت وكالة أنباء المغرب العربي، للخبير الاقتصادي مهدي الفقير، قوله إن “النموذج التنموي الجديد يشكل خلاصا بالنسبة إلى جميع المغاربة، على اعتبار أنه يطمح إلى أن يكون حلا لمختلف الإشكاليات وأن يصحح الاختلالات الهيكلية التي تعاني منها الدولة منذ عدة سنوات”.
وأكد أن “هذا النموذج يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار لعدة أبعاد، لاسيما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمجتمعي، ولكن أيضا على المستوى الجهات، من خلال السماح للجهات التي تنتج أكبر قدر من الثروة، بتوزيعها بطريقة متوازنة مع الجهات التي تواجه صعوبات”.
وشدد على “الاستفادة من معالم القوة في كل جهة، مشيرا إلى أنه على المستوى المؤسساتي، يجب ترسيخ اللامركزية، وتجديد العرض السياسي، واستعادة وتعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات، علاوة على أن الهيئات المنتخبة تظل ضرورية لتحقيق النموذج التنموي الجديد”.
وقال الفقير “لا يمكننا تصور رؤية استراتيجية لنموذج تنموي جديد دون الأخذ بعين الاعتبار التفاوت وعدم التوازن بين الجهات، ولن يكون للجهوية الموسعة معنى إلا إذا أضحت الجهة قاطرة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
وأكد أن “تحقيق النمو يمر عبر تحسين وتطهير مناخ الأعمال وإنشاء هيئات تنظيمية عمومية من أجل وضع القواعد الضرورية التي يجب أن تحكم الأداء السليم لاقتصاد السوق لتجنب جميع أنواع التجاوزات”.
وذكر بأن الشركات الصغيرة والمتوسطة تمثل 95 في المئة من النسيج الاقتصادي المحلي، ومن هنا تأتي الحاجة إلى إدراك الرهانات والفرص التي ترسم مستقبلها.
وبخصوص الإصلاح الضريبي، قال الخبير الاقتصادي إنه “أصبح من الضروري تعزيز التوازنات المالية من خلال إصلاح ضريبي يوسع الوعاء الضريبي، مما سيمكن من إعادة ضخ موارد مالية في النشاط الاقتصادي، وبالتالي مكافحة الغش والتهرب الضريبي”.
أما على المستوى الدولي، بين الفقير أن “المغرب تمكن من الحفاظ عموما على اتجاه إيجابي في ظرفية دولية تتسم بعدم اليقين، كما احتفظ دائما على نفس الشركاء الأجانب، ولاسيما الاتحاد الأوروبي وأفريقيا، اللذين يقداون شراكات على قاعدة رابح رابح”.
وتابع “بلا شك فإن النموذج التنموي الجديد، الذي لطالما انتظره المغاربة والقوى الوطنية والمجتمع المدني، يشكل علامة فارقة جديدة في الصرح المؤسساتي للمملكة، وبهذا المعنى سيساهم في ترسيخ الإنصاف والعدالة الاجتماعية والسياسية، كما سيترك بصمته في الانطلاقة الجديدة للاقتصاد المغربي”.
وكشفت جلسات الاستماع للجنة المتخصصة في متابعة ملف نموذج التنمية الجديد مواضيع الصحة والتربية والحماية الاجتماعية لدى المغاربة، أن العديد يشكون من الشعور بعدم المساواة.
وبخصوص الحريات العامة، سجل الأشخاص الذين شملتهم الاتصالات، اختلالات مختلفة، مثل ضعف الحوكمة الرشيدة وانتشار الرشوة، والاقتصاد الريعي، وتضارب المصالح.
وانتقد كثيرون عدم كفاية الدعم المقدم للثقافة والابتكار والتنوع الاجتماعي والثقافي، فضلا عن ضعف المشاركة في التسيير العمومي، مع تقوية أدوات الرقابة والإشراف على وجه الخصوص.
وحث جزء كبير من السكان أيضا على تخليق الحياة العامة، وذلك من خلال تجسيد مبدأ المساءلة، باعتباره مبدأ أساسيا للحوكمة الرشيدة، ويشكل إحدى دعامات نظام ديمقراطي حقيقي وناجع.
وفي ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية، ركزت جميع الانتظارات على جعل الاقتصاد في خدمة المجتمع وتحسين الإنتاج المحلي.
وتساهم العديد من المؤسسات في الجهود المبذولة من أجل وضع تصور لهذا النموذج، لاسيما المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والذي أكد أنه على الدولة أن تضمن توفير رعاية صحية جيدة، تغطي كافة التراب الوطني، وتؤمن حقوق المواطنين في عدالة نزيهة وموثوقة.
ودعا إلى ضمان كرامة المتقاضين وحرياتهم وحقوقهم الأساسية، وحق المواطنين في خدمة نقل عمومي جماعي آمنة وذات جودة، علاوة على أنه يجب أن يُكفل حق المواطن في سكن لائق وحياة كريمة، مع إعطاء الأولوية للولوج إلى الثقافة والرياضة، من خلال الاستثمار في البنية التحتية والتجهيزات وتنمية المواهب.
وينطبق نفس الشيء على المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية الذي يساهم بدوره في تجديد النموذج التنموي، وذلك بفضل تقريره الاستراتيجي2019 – 2020، والذي سلط فيه الضوء على دعامات رئيسية، تتجلى، بالخصوص، في ضرورة وضع الإنسان في صلب التنمية، وحماية الطبيعة، والمساهمة في حماية كوكب الأرض.
من جهة أخرى، فإن الأزمة التي سببها وباء كوفيد – 19، والتي شلت الاقتصاد الوطني والدولي، أخرت الموعد النهائي لتقديم تقرير النموذج التنموي الجديد ستة أشهر، لاسيما أن هذا الوباء أثر على قطاعات معينة توجد في صلب أولويات المواطنين، وخاصة الأمن الصحي والسيادة الاقتصادية والتصنيع والتحول الإيكولوجي.