الممر الاقتصادي الجديد من الهند إلى أوروبا عبر مرفأ حيفا الإسرائيلي يهدد الدور المحوري لمرفأ بيروت في المتوسط

قمة مجموعة دول العشرين بزعامة الولايات المتحدة الاميركية التي انعقدت في النصف الثاني من ايلول الماضي خلصت الى اتخاذ قرار بانشاء الممر الاقتصادي الجديد الذي يربط الهند والقارة الاسيوية باوروبا ويمر بمرفأ حيفا دون مروره بمرفأ بيروت يعني استمرار الحصار الاميركي على بيروت ولبنان بينما كان طريق الحرير بزعامة الصين قد وضع مرفأ بيروت على هذه الطريق وكذلك الامر بالنسبة لطريق التنمية العراقي الذي وضع مرفأ بيروت ضمن خارطته المرورية .

ما اهمية هذه الطرق وهذه الممرات ومن هو الرابح ومن هو الخاسر ؟

يقول النائب الاول لرئيس الاتحاد العربي لغرف الملاحة البحرية والرئيس السابق للغرفة الدولية للملاحة في بيروت ايلي زخور :

لا نكشف سرا إذا قلنا ان استمرار تطبيع العلاقات بين دول الخليج العربي و “إسرائيل” ستكون تداعياته سلبية على لبنان وخصوصا على دور مرفأ بيروت المحوري في شرق المتوسط ، لأنه يعتبر المنافس الرئيس والاول لمرفأ حيفا الإسرائيلي. فمرفأ بيروت كان بدأ يؤدي هذا الدور بعد أن أصبح لديه محطة حاويات حديثة ومتطورة ، بدأت تقديم خدماتها الجيدة للسفن التي تؤمها في العام 2005، ما شجع شركات الملاحة العالمية على اعتماد المرفا مركزا رئيسيا لعمليات المسافنة ( الترانزيت البحري ) نحو مرافئ البلدان المجاورة في سوريا وتركيا ومصر وقبرص واليونان. كما تمكن مرفا بيروت من ان يحقق حركة حاويات كبيرة، ، فارتفع عددها من اقل من 350 الف حاوية نمطية قبل تشغيل محطة الحاويات في العام 2005 الى أكثر من 1,350 مليون حاوية في العام 2017، من ضمنها 419 الف حاوية نمطية برسم المسافنة، التي شكلت ما نسبته أكثر من 31 % من مجموع الحاويات .

وكان بإمكان مرفا بيروت استقطاب المزيد من هذه الحركة ، لكن القدرة الاستيعابية لمحطة الحاويات استغلت بكاملها، ما أدى إلى ازدحام بعدد السفن التي أصبحت تنتظر عدة ايام لحلول دورها للتفريغ والشحن.

كما انضم مرفا بيروت الى المرأفئ المئة الأولى في العالم التي تتداول أكثر من مليون حاوية نمطية سنويا ، وذلك على مدى 9 أعوام على التوالي.

مجموعة دول العشرين

وقبل أيام ، صدر عن قمة مجموعة دول العشرين بزعامة الولايات المتحدة الأميركية صديقة “إسرائيل”، التي عقدت في الهند في 9 و 10 أيلول الماضي ، قرار بانشاء الممر الاقثصادي الجديد الذي سينطلق في حال إنجازه، من الهند بحرا الى ميناء جبل علي في الإمارات العربية المتحدة، ومن ثم برا بواسطة شبكة من سكك الحديد من الامارات والسعودية والأردن و “إسرائيل” ومن ميناء حيفا بحرا الى اوروبا.

وهذا الممر الجديد سيسلب حتما الدور المحوري الذي كان من المنتظر أن يؤديه مرفا بيروت في العام 1998، عندما فازت الشركة الإماراتية سلطة موانئ دبي بالمناقصة لتجهيز وادارة وتشغيل محطة الحاويات في المرفا لمدة 20 عاما وفقا لنظام ( B.O.T).

فسلطة موانئ دبي كانت عازمة على اعتماد مرفا بيروت كمركز محوري في شرق المتوسط، بحيث يستقبل بحرا سفن الحاويات الاتية من أوروبا ويتم نقل الحاويات برا بواسطة الشاحنات الى مقصدها النهائي في البلدان العربية او الى ميناء جبل علي في الإمارات حيث يعاد شحنها بحرا بسفن الحاويات الى مقصدها النهائي في بلدان شبه القارة الهندية.

كما كانت سلطة موانئ دبي عازمة أيضا على اعتماد ميناء جبل علي كمركز محوري على ساحل الخليج العربي بحيث يستقبل السفن الاتية من بلدان شبه القارة الهندية، فيتم نقل الحاويات برا بواسطة الشاحنات الى مرفا بيروت حيث يعاد شحنها بحرا بسفن الحاويات الى مقاصدها النهائي في البلدان الأوروبية.

وفي الوقت الذي كانت سلطة موانئ دبي ماضية في التحضيرات لتجهيز محطة الحاويات بأحدث الرافعات والمعدات لتباشر تقديم خدماتها في العام 2001 ، كانت الدولة اللبنانية تعد مشروعا لبناء شبكة سكك حديدية لربط مرفا بيروت بالدول العربية لا سيما بالإمارات لتعزيز وتفعيل دوره المحوري في المنطقة.

ولا بد في هذه المناسبة، من التذكير أن قبل نشوب الحرب الأهلية في لبنان في العام 1975، كان مرفا بيروت يستقبل سفنا محملة بحاويات برسم الترانزيت البري حيث كان يتم نقلها بواسطة الشاحنات الى مقصدها النهائي في دول الخليج العربي خلال 3 ايام.

فمسافة الطريق من بيروت إلى دبي لا تتجاوز 2700 كيلومتر، وهذه المسافة هي ذاتها تقريبا يبن ميناء حيفا الإسرائيلي وميناء جبل علي ، في حين أن المسافة البحرية من قناة السويس الى ميناء جبل علي تبلغ 3051 ميلا بحريا وتستغرق البواخر لعبورها حوالى 7 ايام، بالإضافة إلى تسديد رسوم المرور في القناة التي قد تصل إلى مليون دولار أميركي عن السفينة او الناقلة العملاقة.

لكن فجأة ومن دون سابق إنذار، أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي كان في حينه وزيرا للاشغال العامة والنقل، أن عقد تجهيز وإدارة وتشغيل محطة الحاويات الموقع مع سلطة موانئ دبي قد الغي، دون أن يكشف عن الأسباب التي ادت الى اتخاذ مثل هذا القرار المفاجئ.

يتبين مما تقدم، أن ابرز الرابحين من الممر الاقتصادي الهندي في حال إنجازه وتشغيله هم : الهند والإمارات و “إسرائيل” ، في حين أن مرفا بيروت سيكون الخاسر الابرز ومن بعده قناة السويس التي قد تشهد انخفاضا بعدد السفن التي تعبرها وايراداتها المالية.

اما المقارنة بين مشروع الممر الاقتصاي الهندي وطريق التنمية العراقي مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، فهي غير واقعية وليست في محملها . فالمشروعان الهندي والعراقي ما يزالان حبرا على ورق ، بينما اصبحت مبادرة الحزام والطريق نافذة ومعمولا بها على الارض. فهي تغطي أكثر من 123 دولة في القارات الثلاث اسيا وأوروبا وأفريقيا ، وتتضمن فرعين رئيسيين: حزام الطريق البري وطريق الحرير البحري. وقد استثمرت الصين منذ اطلاق المبادرة في العام 2013 ، مئات المليارات من الدولارات على مشاريع لتطوير وتحديث البنى التحتية والمرافىء في البلدان التي يمر بها الحزام والطريق.

ففي العام 2011، بدات قطارات الشحن الصينية تنطلق من عشرات المدن الصينية وعلى متنها الحاويات المحملة بالبضائع الصينية الى المدن في أكثر من 60 دولة أوروبية. كما أن شركات صينية عديدة اصبحت تستثمر في عشرات محطات الحاويات والمرأفئ الأوروبية وتشرف على إدارة وتشغيل بعض منها كمرفأ بيرايوس الأوروبي الذي تشغله شركة Cosco Ports Holdings الصينية.

كما بلغ عدد الطرق البحرية التي تتعامل مع المرافئ الصينية أكثر من 116 طريقا التي تربطها ب 131 بلدا في العالم.

ولا بد من الإشارة الى أن مبادرة الحزام والطريق التي كما قلنا انفا انها اصبحت نافذة ومعمولا بها على ألارض، سمحت للصين بالتمدد في مختلف انحاء العالم تجاريا واقتصاديا. فقد ارتفع حجم الاقتصاد الصيني الى نحو 18,1 تريليون دولار في نهاية العام 2022، كما ارتفعت صادراتها إلى 3,59 تريليون دولار لتتفوق على الولايات المتحدة الأميركية صاحبة اكبر اقتصاد في العالم، التي وصلت صادراتها إلى 2,59 تريليون دولار في العام 2022.

وبالعودة الى دور لبنان على الصعيد المالي ودور مرفا بيروت ألمحوري على الصعيد البحري في شرق المتوسط ، تزداد الشكوك من الا يكون تدمير قطاع المصرفي في لبنان بعد حركة 17 تشرين الأول من العام 2019، وتدمير مرفا بيروت في انفجار عنبر النيترات الامونيوم في 4 آب من العام 2020 ، قضاء وقدرا، بل عن سابق تصور وتصميم ، و لمصلحة قوى تريد الشر والتخريب لهذا البلد الصغير بمساحته والمميز بتنوعه والفريد بجمال طبيعته في هذا المشرق العربي!

 

مصدرالديار - حوزف فرح
المادة السابقةاستعدوا لارتفاع الدولار!
المقالة القادمةبودياب: الاستمرار في الاستقرار النقدي ما دامت الكتلة النقدية بالليرة مضبوطة