بوادر أزمة في تنظيم العلاقات التجارية بين لبنان وسوريا طفت إلى السطح، من خلال إجراءات اتّخذتها السلطات السورية تقضي بمنع السائقين اللبنانيين الذين لا يحملون إقامات سورية من عبور الحدود. هذه الإجراءات أدّت إلى عرقلة تصدير المنتجات الزراعية اللبنانية. وهناك مطالبات حالياً بفتح حوار سريع بين وزارتي الداخلية في كل من البلدين، لمعالجة الأزمة قبل استفحال الخسائر.
يواجه المصدّرون اللبنانيون للمنتجات الزراعية إلى سوريا صعوبات جمّة. فالكلفة أصلاً لعبور المنتجات الزراعية مرتفعة لناحية الرسوم، لذلك التصدير “خفيف” أصلاً في فترة فصل الشتاء. فالسيارات التي تجتاز الحدود باتجاه العراق “قليلة” منذ بداية الثورة، في حين تتفاوت حركة العبور إلى الأردن و”كل يوم شكل”، كما أوضح رئيس تجمّع المزارعين في البقاع إبراهيم ترشيشي لـ “نداء الوطن”. مبدياً اعتراضه على عدم قدرة السائق اللبناني لسيارات نقل المنتجات الزراعية على عبور الحدود إلى سوريا من لبنان، إذا لم تكن لديه إقامة. سائق الشاحنة، كما سرت العادة، يعبر ترانزيت سوريا ولا يحتاج إلى إقامة. لذلك طالب ترشيشي وزير الداخلية في لبنان التنسيق مع وزارة الداخلية في سوريا لاتخاذ إجراءات تناسب الظروف التي تمرّ بها البلاد، فطلب إقامة من السوري يقابلها طلب إقامة من اللبناني أيضاً.
من هنا لا بدّ، يضيف ترشيشي، “من التنسيق بين الجانبين اللبناني والسوري من خلال اللجان، لأخذ القرارات المناسبة والتوافق مع السوري على اتخاذ إجراءات معينة في ما يتعلق بالتصدير. فالجانب السوري يريد تهريب كل المنتوجات إلى لبنان واللبناني لا يستطيع أن يرسل في المقابل منتجات، من هنا يجب أن نبدأ حياة جديدة لأن العلاقات بين الجانبين السوري واللبناني يجب أن تستمرّ”.
استباحة الأسواق اللبنانية
وحول المنتجات التي ترد إلى لبنان، قال ترشيشي: “كل المنتجات السورية والتركية تستبيح الأسواق اللبنانية، الأمر الذي لا يجوز. فلا يعقل أن تدخل إلى لبنان بضائع سورية عن طريق التهريب، بكلفة “أرخص”، من دون تسديد الرسوم المترتّبة على العابر للدولة اللبنانية. ولغايات التهريب تمّ تشكيل عصابات تتألف من سائقي الشاحنات الصغيرة ( بيك-آب) والمهرّبين وأصحاب المحال في سوق الخضار في لبنان”. فمن غير الممكن، يضيف ترشيشي، “أن يبقى القطاع الزراعي واقفاً على رجليه في ظلّ التهريب الحاصل إلى السوق اللبنانية، فالبطاطا والبصل والفروج والبيض السوري تغزو الأسواق اللبنانية، وتأخذ من درب المزارع اللبناني”.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى الاتفاقيات التي كانت موقّعة مع الجانب السوري، لتصدير كل أنواع الخضار بجميع أنواعها. وفي هذا السياق يقول ترشيشي: “كان يدخل إلى لبنان يومياً 10 أو 15 سيارة بشكل شرعي عبر المصنع ويتمّ الكشف عليها ضمن الإجراءات القانونية الصحيحة. فالمهربون يسرحون ويمرحون، تدخل البضاعة إلى لبنان من دون حسيب أو رقيب، ومن دون فحوصات مخبرية، ومن دون تحديد الكميات ولا الالتزام بما هو مسموح وغير مسموح”.
وقف التهريب وإلا الإضراب
وكان رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم الترشيشي ناشد وقف تدفق المنتجات الزراعية السورية والتركية إلى الاسواق اللبنانية عبر طرق التهريب وبطريقة غير شرعية، وإلا “سنكون مضطرين لإعلان الإضراب وإقفال الطرق واعتراض شاحنات التهريب”.
وقال: “يوميّاً يدخل الأراضي اللبنانية أكثر من 300 طن من البطاطا السورية يتم توزيعها على أسواق الخضار في طرابلس والعبدة وسن الفيل في بيروت، وقب الياس في البقاع وصيدا في الجنوب، بما يحرم المزارع البقاعي تصريف إنتاجه قبل موعد دخول البطاطا المصرية بتاريخ الأول من شباط المقبل”.
واعتبر أن مواكب الشاحنات الزراعية من المعابر الحدودية الشرعية تحوّلت إلى طرق التهريب بهدف التهرّب من دفع الرسوم الجمركية والابتعاد عن الفحوصات المخبرية والتأكد من سلامة الإنتاج. والاسوأ أن شاحنات لبنانية تدخل الأراضي السورية وتقوم بتعبئة المنتجات الزراعية السورية والتركية وتعمل على إدخالها إلى لبنان عبر الطرق غير الشرعية، مشيراً إلى أن “البطاطا السورية التي يتم تسويقها في لبنان ليست بجودة الإنتاج اللبناني”.
برأي ترشيشي، فإن إدارة الجمارك عاجزة لوحدها عن مواجهة هذه الآفة التي يتعرض لها المزارع اللبناني وعلى كل الأجهزة الأمنية اللبنانية التعاون لوقفها، فتلك الظاهرة تدمّر القطاع الزراعي وتفلس المزارعين. لذلك لا بدّ من مكافحة التهريب ووضع حدّ لهذه العصابات التي تتألّف من سائقي الشاحنات والمهرّبين وأصحاب محال في الأسواق الزراعية، وتواجه كل من يعترض طريقها من دوريات الجمارك والمزراعين مما يهدّد أيضاً السلم الأهلي.