مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والأمنية ومع اندلاع الحرب، استرجعت الأعمال اليدوية قوّتها من جديد، علّ العديد من الطبقة المتوسطة والفقرة، يدّخرون القليل من المال للأمور الضرورية والملحّة. وعادت المهن القديمة لتسترجع أيامها، بعد أن كانت على طريق الانقراض. وعلى الأغلب، معظمهم من الطّبقة الفقيرة، هم المستهدفون لتلبية احتياجاتهم. ومن بين هذه المهن: المنجّد، و “الكندرجي”، والخيّاط. ولمعرفة واقع المهن القديمة في لبنان، توجّهت الدّيار إلى بعض أرباب العمل لمعرفة وضعهم المادّي.
في السياق، يشير الكندرجي معلّم جهاد، إلى أنّ الإقبال على المصلحة لا يزال كالسابق، ولكن تغيّرت نوعيّة العمل ونوعية المواجهة مع الزبائن.
ويقول في حديثه للدّيار: قسمتُ الزبائن إلى 3 أقسام، القسم الأول وهو الطبقة الغنية، لا يزال الزبون ميسور الحال حتّى السّاعة يدفع كالسابق. القسم الثاني وهو الطبقة المتوسطة وهو الزبائن الذين كانوا يشترون البضاعة المرتبة ويعاودون إصلاحها بعد حينِ. ولكن تغيرت نوعية الأحذية عن السابق. وبُتنا نلمس واقعًا جديدًا ألا وهو الأحذية الهالكة القديمة جدًا. ويريدون اليوم إصلاح ما هو مخزن في الستوكات وهذه النوعية تحديدًا تُتعبنا. واجهت متاعب مع زبونة تريد إصلاح كندرات أمّها الميتة منذ سنوات وهنا صعوبة الوضع المادي المتأزم.
أما الطبقة الثالثة فهي للزبائن الفقراء جدًا وهنا لا يمكنني حتّى وصف نوعية الأحذية التي أتلقاها، معظمها “للكبّ”. لذلك، الإقبال لا يزال كالسابق إنّما نوعية الأحذية تغيرت للأسوأ وللطبقات الـ3.
ولفت إلى أنّ الطبقة الغنية لا تزال كما هي اليوم، أمّا الطبقة المتوسطة فأصبحت فقيرة، والطبقة الفقيرة “أصبحت بالجورة”. وهكذا نصف نوعية العمل.
ماذا عن الأسعار
معلّم جهاد يلفت إلى أنّ الأسعار تهاونت كثيرًا بفرق الدّولار، وأصبحت الأسعار “بالأرض” بالنسبة لنا، فالحذاء الذي كان يكلّفنا 2 دولار، أي 3000 ليرة، ليصبح اليوم الـ2 دولار بـ200000 ليرة، أصبحت صعبة بالنسبة للزبون. إجمالًا تحسنت الأسعار بالنسبة لنا، مقارنةً بالسنوات الفائتة. ولكن، لو أردنا مقارنتها بأيام الـ1500 ل.ل.، كنا نربح الـ20 دولارا أحيانًا أمّا اليوم فنربح الـ7 دولار بالحدّ الأقصى للأحذية الفاخرة.
وبحكم مصلحتي وزبائني المعروفة، آخذ حقي كاملًا من الزبون المرتاح ماديًا، لأساير الزبون الفقير. لدرجة أنّ بعض الأشخاص أصلح لهم الأحذية من دون أي مردود مادي.
ما يكسيني، الطبقة الغنية. مثلًا، أتعامل مع زبونة لا يهمها إذا دفعت بدل الـ30 40 دولارا، المهم أن تكون النتيجة جيدة. وهنا مربحي.
الخيّاط يسترجع أيام العزّ
في طريقنا إلى البالة، قمنا بطرح بعض الأسئلة على أحد العاملين هناك، لنتفاجأ بأنّه خياط من الطراز الرفيع. وقال إنّ ما يبيعه في البالة كان يخيطه سابقًا، ومن كان يشتري من “المولات” أصبح زبوني اليوم. والحمدلله استرجعنا أيام العزّ. وتتراوح أسعار بضاتنا من الـ5 إلى الـ60 دولارا، وكلها محاكة على اليد. صحيح أنّ الأرباح قليلة لكنها أفضل حالٍ من السابق.
هذه حال الدّنيا، وهكذا عرف الواطن اللبناني. يجود بالموجود ويحاول دائمًا التّاقلم مع كل الظّروف. لا مجال لليأس ولا حتّى للاستلام. من لم يستطع شراء حذاءٍ جديد، يجدّد قديمه ليبقى مرتّبًا كما عرفه معظم العالم العربي. ومن أرادت شراء اللحف والسجادات هنالك المنجّد وهنا البالة. ومن أراد تغيير قميصه، فليغيّر أزراره، خصوصًا للذين خسروا بيوتهم وأرزاقهم في الحرب. لأنّه ولو مهما ضاقت بنا الأحوال، نبقى أشرف الشعوب.