المودعون ضائعون بين التعاميم والمواطنون وحدهم الخاسرون

القرار بتمديد السحوبات من حسابات الدولار على سعر 3900 ليرة لم يكن مستغرباً. إنما الجمع بين التعميم 151 و158 بشكل يسمح للمستفيدين من سحب 400 دولار نقداً، و400 دولار على سعر 3900 ليرة (التعميم 158)، والاستفادة أيضاً من (التعميم 151) وسحب مبلغ محدد من الدولار على أساس سعر 3900 ليرة من غير مصرف هو ما أثار الاستغراب. فهو أولاً يحدد 3 أسعار لسعر الصرف في تعميم واحد وهي: 3900 ليرة، و12000 ليرة، و1500 ليرة في حال تخطت السحوبات من حسابات الدولار السقف المسموح به. وثانياً يكبّر حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية ويزيد التضخم، رغم تشديده في التعميم الوسيط 596 (151 معدلاً) على أن عدم رفع سقف السحوبات هو “تدارك لاي نتيجة سلبية قد تتأتى عن أية زيادة حالية للكتلة النقدية”. ثالثاً والأهم، يستمر بتشريع “الهيركات” الكبير وغير المقونن من حسابات المودعين.

هذا من حيث النتائج، أمّا الأسباب وانعكاساتها غير المباشرة فهي لا تقل خطورة. فالهدف الأول والأخير لهذه التعاميم هو “تسريع تخفيض كتلة الودائع بالعملة الأجنبية الموجودة في المصارف، وإجراء هيركات تقدر نسبته بـ 60 في المئة، وانقاذ القطاع المصرفي من دون الحاجة إلى إعادة الهيكلة”، يقول المستشار المالي د.غسان شمّاس.

بحسبة بسيطة يتبين أن إذا كان مودع ما يملك 10 آلاف دولار مقسّمة بين مصرفين بقيمة 5 آلاف دولار، يمكنه أن يحصل من المصرف الأول على 2500 دولار نقداً و2500 دولار على سعر 12000 ليرة أي 30 مليون ليرة. ويحصل من المصرف الثاني على 5000 على سعر 3900 ليرة أي 19 مليوناً و500 ألف ليرة. أي أن مجموع ما يتقاضاه هو 2500 دولار + 49 مليون ليرة وفي حال كان سعر الصرف 17 الف ليرة فان المودع سيحصل فعلياً على 2900 دولار بدلاً من 49 مليون ليرة. ما يعني أن 10 آلاف دولار تساوي 5400 دولار. أي أنه اقتطع من حسابه 54 في المئة. وهذا رقم هائل على كل المستويات وهو معرض للارتفاع مع كل ارتفاع في سعر الصرف.

وبحسب شمّاس فان “التهديد بالتضخم في حال رُفع سقف السحوبات من حسابات الدولار إلى رقم قريب من سعر صرف السوق الموازية أو منصة “صيرفة” على أقل تقدير، غير صحيح. فباستطاعة “المركزي” رفع السقف إلى السعر العادل، مقابل تحديد حجم السحوبات. وبهذه الطريقة لا تزيد الكتلة النقدية بالليرة ويحد من الهيركات على المودعين”.

وبحسب الباحث الاقتصادي وخبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي. فـ”انتقل مصرف لبنان من إعتماد “الهندسات المالية” وامتصاص السيولة من المواطن لتأمين السيولة للسلطة الحاكمة إلى “الهندسة التعميمية” بإصدار تعاميم مربكة ومعقدة تتحول بسرعة إلى مشروع مواجهة وفتنة بين المصرف وزبائنه. فما تمت صياغته في مفردات التعميم الوسيط 597 (لتعديل أحكام التعميم 158) جاء لتثبيت ما أسس له مصرف لبنان في تعاميم سابقة (التعميم 150)، والسلطة السياسية في مشروع موازنة الـ 2021 .

مرة جديدة يحمَّل المواطنون عبء الخسائر بدلاً عن المتسببين بها، أي: الدولة، المصرف المركزي والمصارف التجارية. فالمودعون صغاراً كانوا أم كباراً، سيقتطع من ودائعهم أكثر من 50 في المئة بغض النظر عن طبيعة الحسابات والفوائد المحصلة.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةالغاز المصري والكهرباء الأردنية: البنك الدولي ينتظر إنهاء الاتفاقات التجارية
المقالة القادمةالدعم طار والأسعار “بتطلع ما بتنزل”… حان وقت رفع الأجور!