يستعد موظفو القطاع العام في الإدارات العامة لبدء إضرابهم المفتوح بعد سأمهم من الوعود التي سمعوها مراراً وتكراراً، وجنوحهم تحت خط الفقر في ظل الغلاء المعيشي وارتفاع أسعار المحروقات ورواتبهم لا تكفي لتأمينها لكي يداوموا في عملهم يومياً.
إلى حدود لا تحتمل وصلت أوضاع من يسيّرون أمور الناس ويتابعون معاملاتهم، وباتوا يحسبون لمصاريفهم ألف حساب شأنهم شأن فئةٍ كبيرة من اللبنانيين انعدمت قدرتها الشرائية، لا يكفيهم الراتب الشهري ثمن صفيحتي بنزين فيما يوكلون أمرهم لتأمين سائر المتطلبات اليومية من طعامٍ وسواه الى الله. ولأن العجز الذي يصيب الدولة طال موظفيها، أشهروا سيف الإضراب المفتوح علّه يكون النداء الأخير لتأمين استمراريتهم وتسيير شؤون الناس وقد باتوا أيضاً يحسبون ألف حساب لأي معاملةٍ يطلبونها بسبب التنقلات وتأمين الطوابع المالية التي دخلت السوق السوداء في بعلبك الهرمل، ناهيك عن بقاء عدد من المعاملات أياماً عدة لإتمامها. على اختلاف اختصاصاتهم وطبيعة أعمالهم، بدأ موظفو الإدارات العامة في محافظة بعلبك الهرمل إضراباً منذ صباح اليوم، حيث أقفلت أقسام المحافظة ودائرة النفوس والمصالح الأخرى بعدما سبقهم إلى الاعتكاف المساعدون القضائيون.
ويؤكد أحد الموظفين ممن يأتون من خارج المدينة لـ»نداء الوطن» أن أوضاع الموظفين العامين لم تعد تحتمل، «فالدولة غائبة عن السمع ولا تنظر إلى موظفيها، وقد بات راتب موظف واحد لا يساوي مئة دولار في أحسن حالاته، وأنا أدفع من جيبي كي أصل من خارج المدينة الى مركز عملي وأحتاج الى أجرة مواصلات وثمن بنزين، والأهم من أين أطعم أولادي، فلا أستطيع القيام بعمل إضافي في ظل الدوام الرسمي حتى الساعة الثالثة ولا بد من إعادة النظر فيه، كذلك لا مهنة في يدي، وإذا استمرّت الأوضاع على ما هي عليه فعدد كبير من الموظفين سيلحق بركب العسكريين وقوى الأمن الذين تركوا وظائفهم بحثاً عن مردودٍ أفضل». ويضيف «حال المواطن اللبناني ليس بأفضل منا، وإن فُرض في عدد من الإدارات رسم على المعاملة التي يعتبرها البعض رشوة غير أن المواطن لا يمكنه تحمّل ذلك، فهو يتعاطى مع الدولة بكل ما تطلبه منه ويتهم الموظف بالرشوة في حال كانت النتيجة ذاتها، وعلى سبيل المثال فُرض مبلغ عشرة آلاف ليرة لبنانية عن كل سجلٍ عدلي يحصل عليه إضافة الى الرسوم، والدولة اخترعت هذه الصيغة في ظل عدم قدرتها على تأمين الأوراق والقرطاسية وما شابه، والمواطن يدفعها من دون مراجعة، لكن المصيبة تقع على رأس الموظف في حال قبوله بإكرامية لتسيير أمور الناس»، مشيراً الى أنه لا يبرر الرشوة وغيرها، «لكن الأمور مختلفة اليوم والدولة شبه مهترئة، و»الشاطر يلي بدو يظبط أمورو من المواطنين ويستحصل على معاملته سريعاً، والشاطر أيضاً الموظف الذي يستطيع أن يستفيد كي يبقى مستمراً في عمله ويسيّر أمور الناس».
الطوابع المالية مفقودة
وقد سبق الإضراب، دخول الطوابع المالية لا سيما من فئة الألف ليرة لبنانية خط السوق السوداء حيث فقدت من سوق بعلبك، وتجاوز ثمنها ثلاثة آلاف ليرة وأحياناً خمسة. وذكرت مصادر متابعة لـ»نداء الوطن» أن قضية الطوابع تحمل وجهين، الأول أن الإدارة المسؤولة عن تأمين ما يلزم يجب عليها القيام بواجباتها مع مراعاة سبل تأمينها، أما الوجه الآخر فهو احتكار عدد من المخاتير والبائعين والموظفين كمية كبيرة من الطوابع، بحيث لا تسير معاملةٌ إلا عبرهم، فالمختار لا يبيع طوابع يحتاجها مواطن جهز طلب معاملة من مختار آخر لكنه ينجز المعاملة بطلب منه إضافة الى الطوابع بتكلفة مرتفعة، كذلك يخبّئ البائعون المعتمدون الطوابع لتحقيق مكاسب أكبر رغم أن هامش الربح قليل جداً ولا يكفي ثمن المحروقات التي يحتاجها هؤلاء لتأمين الطوابع، وعليه على الدولة إعادة النظر بهامش الربح المخصص من الطوابع، إضافة الى النظر بأوضاع الموظفين الذين يعملون في كل شيء اليوم ومنها الطوابع لتسيير أمورهم.