توصلت دراسة أعدّتها «الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة» بالشراكة مع منظمة «أنتِ الحياة» خلال العام 2022، ونشرتها مطلع الشهر الجاري إلى أن ظاهرة العنف القائم على النوع الاجتماعي منتشرة بشكل كبير في المجتمع اللبناني، وبكافة أشكاله لا سيما العنف الاقتصادي الذي يمنع المرأة من الحصول على موارد اقتصادية، فيؤدّي إلى استغلالها من خلال سلوكيات متعدّدة أبرزها: السيطرة والحرمان والإكراه والمنع، كما يؤدي إلى تهميش دورها مجتمعياً واقتصادياً، بالتالي حرمان المجتمع من طاقات إنتاجية كبيرة تسهم في تعزيز التنمية المستدامة.
أجريت الدراسة على عيّنة من 100 فتاة وامرأة من شمال لبنان من الجنسيات اللبنانية والسورية والفلسطينية، ناجيات من العنف الاقتصادي القائم على النوع الاجتماعي أو عرضة له سواء داخل الأسرة أو في أماكن العمل، بالإضافة إلى فئات هشة ومهمشة اقتصادياً كاللاجئات والعاملات من جنسيات مختلفة وذوي الاحتياجات الخاصة. وصرّح كلّ أفراد العينة بأن هناك عنفاً يمارس على الأنثى بكافة أشكاله، كان أكثرها العنف النفسي (74%) الذي يتوزّع بين معنوي، لفظي، إهمال، إنكار، وكشفت 33% عن تعرضهن له. كما كشفت 16% عن تعرّضهن للحرمان من الموارد والخدمات والفرص على أنواعها المنتشرة، برأيهن، بنسبة 69%. وظهرت أشكال عنف أخرى كالعنف الجسدي (38%)، الاغتصاب (20%)، التحرّش الجنسي (33%)، تزويج الطفلات (25%).
إلى ذلك، أظهرت الدراسة معاناة 47% من تمييز جندري في الأسرة في ما يتعلق بمتابعة التحصيل العلمي “لاعتقاد الأهل أن المسؤولية المادية تقع على عاتق الرجل، أما الفتاة فقد تتزوج ويذهب مدخولها، في حال توظفت، إلى زوجها وأسرتها”. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحصول على مصروف خاص، إذ تحدّثت 63% عن تمييز جندري في هذا المجال. هناك من أقرّت بعدم حصول المرأة على ميراثها كاملاً أو حرمانها منه (37%)، وعدم تمتعها بالحريّة الكاملة لاختيار عملها (46%)، عدم التصرّف براتبهن بحرية من دون تدخل من أحد (41%)، والاستغلال من أفراد العينة بإشراكهن في العمل الخاص بالعائلة من دون أجر (50%).
لا تحصل 52% من النساء اللواتي شملتهن الدراسة ويعملن في القطاع الخاص على كامل حقوقهن في العمل مثل بدل النقل، إجازات رسمية، إجازات أمومة، تعويض صرف، تعويض نهاية الخدمة، وهي نسبة مضخمة جداً إذا أخذنا في الاعتبار أن 27% منهن لا يعملن أصلاً. وتحدثت 37% من أفراد العينة عن عدم وجود تساوي بالأجور بين الرجال والنساء رغم تساوي المؤهلات والكفاءات في العمل.
تتعدد الأسباب المؤدية لانتشار العنف الاقتصادي القائم على النوع الاجتماعي، وتتصدرها، بحسب 78% من أفراد الدراسة، الأسباب الثقافية الاجتماعية. يعزون، مثلاً، “ثقافة عدم توريث المرأة لزواجها أو احتمال زواجها وبالتالي توريث الأسرة للغرباء”. وتحدّثت 58% عن أسباب اقتصادية خاصة جراء الأزمة الاقتصادية الراهنة.
وتجدر الإشارة إلى غياب المظلة القانونية التي تحول دون ممارسة هذا العنف بحق المرأة. فرغم إقرار قانون تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه عام 2020 تبقى هناك صعوبة أو حتى استحالة تثبيت الجرم أحياناً. أما قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري رقم 293 الصادر عام 2014 فلم يأت على ذكر أي عقاب واضح وصريح في حال تعرّض المرأة للعنف الاقتصادي.
ويبدو التمييز الجندري واضحاً في القوانين والتشريعات، كقانون الضمان الاجتماعي الذي يخلو من أي تقديمات للزوج على اسم زوجته المضمونة إلا بعد تجاوزه الستين، أو في حالات عدم قدرته على تأمين معيشته بسبب عاهة جسدية أو عقلية. وقوانين الأحوال الشخصية التي تحرم المرأة من حقوقها في الميراث تحت التهديد والضغط، ولم تعالج موضوع الأموال المشتركة بين الزوجين وكيفية التصرف بها في حال الانفصال أو الطلاق ما يحرم الزوجات في كثير من الأحيان من الأموال التي أنفقنها خلال الحياة الزوجية.